هكذا تستطيع النساء في غزة ركوب الدراجات الهوائية 

هكذا تستطيع النساء في غزة ركوب الدراجات الهوائية 

الساعة الخامسة والنصف فجرًا تنطلق نوال سعد (26 عامًا) على دراجتها الهوائية باتجاه كورنيش بحر غزة، قاطعةً به مسافة عشرين كيلو مترًا؛ لتمارس هوايتها في ركوب الدراجة، وهي التي ظلّت سنوات تهاب ممارستها على اعتبار أن البعض يعتبرها شكل من أشكال الرياضة الذكورية، وسط قيود ثقافية ومجتمعية تحدّ كثيراً من حريات المرأة، وفق قولها.

قلما تجد نوال فتاة أخرى تشاركها الهواية ذاتها، رغم أنها سبق وأن دعت متابعاتها من النساء على موقع "انستغرام" لمشاركتها وتشجيعها هذا الوقت الممتع؛ لكنها انطلقت في صباح اليوم الثاني للدعوة، بمفردها دون أن تلقى أحد.

رغم ذلك، كان إصرار الفتاة العشرينية أكبر على مواجهة المجتمع الذي استنكر عليها هذه "الحرية" في ممارسة ما تُحب دون إخلال صارخ بتقاليده وعاداته، حسبما تقول في حديثها مع "آخر قصّة". 

وأضافت الفتاة سعد: "في بداية الأمر واجهت الكثير من التعليقات المؤذية (..) ذات مرة استوقفني رجل أمن محاولاً منعي من ركوب الدراجة بحجة أنّ ما أفعله خادشٌ للحياء، فسألته ما هو الفعل الخادش للحياء وقد خلا الكورنيش من المشاة إلا ما قلّ منهم وأغلبهم نساء يُمارسن رياضة المشي صباحاً، فاكتفى بالصمت".

وينحصر توقيت ممارسة الفتاة لهذه الرياضة على الصباح الباكر فقط، حرصًا منها على تفادي أي "خرق" مجتمعي؛ لقولها: "أنا أعرف طبيعة المجتمع لذلك لا أركب دراجتي في أوقات اكتظاظ الشوارع وأستغل الصباح المفعم بالهواء النقي، بمشاركة أناس آخرين يمارسون رياضة المشي والجري على كورنيش غزة كل صباح تقريباً".  

ومن الواضح أن واقع الرياضة النسائية مر بمراحل اضطراب، وفقاً للحالة السياسية، حيث تراجعت في أواخر ثمانيات القرن الماضي، بفعل اندلاع أحداث انتفاضة الحجارة، ثم استعادت نشطها النسبي بعد توقيع اتفاق أسلو (1994- 2000)، ثم تراجع نشاطها مع دخول انتفاضة الأقصى وما تبعها من أحداث داخلية استمر انعكاسها إلى ما بعد العام 2010.   

وفي الوقت الذي تظهر فيه حالات فردية كنوال تركب الدراجة متجاوزة حدود العادات التي يفرضها المجتمع الغزي والذي يتحفظ على ممارسة المرأة حرياتها علنًا كالرياضة، نرى أنَّ هناك مبادرات خرجت لحث الفتيات على ركوب الدراجات داخل صالات رياضية مغلقة، كمبادرة مشروع "تنفس بعمق" التي انطلقت قبل منتصف العام الحالي.

وانبثقت هذه المبادرة عن لجنة المرأة لركوب الدراجات التي أسستها رانيا الداعور وشجعت فيها الفتيات على ممارسة هذه الرياضة في فناء ملعب "اليرموك" (أكبر استاد رياضي في قطاع غزة) خلال أيام وساعات محددة، حيث بإمكانهن ركوب الدراجة والتزلج باللوح والدراجة النارية "السكوتر" أيّضًا، وذلك بوجود مشرفين لمساعدتهم على التعلم.

وقُدِّرت نسبة الزائرات للمكان بـ 100 زائرة أسبوعيًا وتزداد في المواسم كالإجازات الصيفية، فيما تتراوح أعمارهن ما بين سن 10 إلى 40 عامًا، وخلال هذا المشروع حاولت الداعور تشجيع المُشاركات من خلال عمل مسابقات بينهن فوجدت على إثرها لديهن المهارة العالية في ركوب الدراجة؛ ما جعلها تسعى لتدريبهن بحرفيةٍ أعلى وتحويلهن من سائقات عاديات لمُتمرسات.

ومع هذا النشاط الملحوظ للرياضة النسائية، إلا أنه لا تتوفر أرقام دقيقة عن أعداد النساء اللواتي انخرطن في الأنشطة الرياضية بغزة. ولكن يبدو السؤال الأكثر إلحاحاً: هل أصبح القطاع أكثر انفتاحاً، أم أن النساء استطعن فرض موهبتهن على المجتمع؟

السيدة أم الياس التي تتوجه صباح كل سبت هي وطفلتيها نحو ملعب "اليرموك" ليمارسن ركوب الدراجات و"السكوتر"، تقول: "كان ركوب البسكليت أمنيتي طوال عمري وها أنا حققتها الآن حتى لو داخل مكان مغلق، بالفعل أشعر أنَّ نفسيتي تحسنت وتنفست بعمق فالأمر ساعدني على تفريغ الطاقة السلبية ومواصلة الحياة بحب أكثر".

وفي ظلّ نظرة المجتمع المُتحفظة على ممارسة المرأة لركوب الدراجات في الأماكن العامة بغزة، تقول رانيا الداعور صاحبة المبادرة، إنَّ هذه الرياضة ذاتها تواجه عدة صعوبات أمام انتشارها، ويعود ذلك إلى الازدحام المروري الشديد في الشوارع في ظل الكثافة السكانية التي تزيد عن 2.2 مليون نسمة وضيق مساحة القطاع المقدّرة بـ 365 كم2 والتي بالكاد تكفي لمرور المركبات وحركة السير.

وتشير الداعور إلى أن رياضة ركوب الدراجات بحاجة إلى شوارع مُمهدة ومناطق مخصصة للقيادة وبنية تحتية مهيأة، ففي معظم دول العالم يكون هناك مسار خاص لركوب الدراجات لا يمكن للسيارات أو المشاة تخطيه أو الدخول فيه، مبينةً أنّ غلاء أسعار الدراجات التي يصل سعر الجديدة منها إلى ما يزيد عن 500 شيكل يُشكّل عائقًا أمام اقتناء الكثير من النساء لها.

ورغم ذلك، تحتفي الداعور بنجاح مشروعها الخاص بتدريب الفتيات على رياضة ركوب الدراجات، وتقول: "أصبح المكان مزاراً للمؤسسات النسوية يُقِمن فيها فعاليات رياضية لجميع طبقات المجتمع من النساء حيث سلطنا الضوء عبرها على أهمية الرياضة للمرأة من الناحية الجسدية والنفسية". 

وبالرجوع لجذور الحركة للرياضة النسائية في قطاع غزة، تشير دراسة بعنوان: الرياضة النسائية واقع وطموح (دراسة تاريخية تحليلية من منظور نسوي) تعود جذور الحركة الرياضة إلى ما قبل النكبة 1948، غير أنها نشطت في حقبة الخمسينات (إبان الإدارة المصرية للقطاع)،

وطبقاً للإفادة التي سجلها البحث نقلاً عن أحد أعمدة الرياضة في قطاع غزة الحاج سالم الشرفا، فإن الفترة الممتدة من (1959-1967)، كانت قد شهدت انفتاحاً على الرياضة النسائية، "حيث كانت تنضم الفتيات إلى الأندية الرياضية ويواظبن على ممارسة التمارين أكثر من الذكور".

ومما لا شك فإنَّ للرياضة آثار إيجابية عالية على الحالة الصحية والنفسية والمزاجية للأشخاص عامةً، فصحيًا لها فوائد كبرى على مرضى السكري والقلب كما تُحسِّن الإدراك والذاكرة، وبحسبِ ما أفادت به المختصة النفسية نهى الشنطي، إنّ ركوب الدراجات تساعد المرأة خاصّة على تخطي ضغوطاتها النفسية التي تعترضها في المنزل والعمل والمجتمع بمجمله.

وقد تكون النساء أكثر حاجة من غيرهم من الفئات المجتمعية الأخرى، وفقاً للشنطي التي ترى أنهن يتعرضن لضغوط نفسية نتيجة الأزمات السياسية المتكررة، وهن الفئة الأكثر هشاشةً من الذكور، موضحةً أن ممارسة الرياضة يعتبر شكل من أشكال التخفيف من الأعباء الحياتية الملقاة على كاهل النساء في القطاع المحاصر للعام الخامس عشر على التوالي. 

ودعت المختصة النفسية، إلى إفراد مساحة أكبر للرياضة النسائية في القطاع، فضلاً عن زيادة صالات الألعاب وإتاحة أماكن لقيادة الدراجات وزيادة الفضاء الكافي لاحترام خصوصياتهن. وقد تشكل هذه الدعوة من ناحية عملية طرقة على جدار الخزان، لعل المجتمع يعي حاجة المرأة لممارسة هوايتها وضرورة احترام خصوصيتها بعيداً عن الضوابط التي تقيد من حريتها.