لا تزال صناعة بدل زفاف الرجال حية في غزة 

رحلة الحائك "أبو شعبان"  

لا تزال صناعة بدل زفاف الرجال حية في غزة 

ينشغل مصمم ومُنفذ بُدل زفاف العرسان سامر أبو شعبان (50 عام)، بوضع لمساته الأخيرة على بدلةٍ سوداء لأحدِ العرسان الذين وضعوا ثقتهم به؛ ليرتدوا بدلة العمر من تحت يديه وبتصاميم عصرية مميزة.

يعمل أبو شعبان في هذه المهنة منذ 30 عامًا، ويتجاوز بها تحدٍ كبير يتعلق بمنافسة البدل الرجالية المستوردة لاسيما من تركيا والصين، وقد اكتسب ثقة كبيرة من جمهور زبائنه المحليين من مختلف الفئات العمرية والمستويات الوظيفية والإدارية.

وقال الرجل ذو الشعر الرمادي: "قضيتُ في الحياكة والتصميم أكثر من نصف عمري كعامل أولاً ومن ثم افتتحت متجري الخاص"، ويرى فيها شغفه والشيء الوحيد الذي يتقنه ويُبدع فيه بموهبة وحرفية اكتسبها مع الوقت وتظهر جليّة في البدل التي يلبسها العرسان ذات الجودة العالية والأناقة الظاهرة.

إنَّ معمل أبو شعبان هو واحدٌ من المعامل القليلة النادرة التي لا زالت تعمل في مجال خياطة بدل الأفراح الرسمية للرجال، ويعد واحدا من خمسة متاجر في مدينة غزة. وتتراوح قيمة إنتاج البدلة (300 -350 شيكلاً)؛ لكن في المقابل تشهد متاجر البدل الجاهزة عروضا على الأسعار، غير أنه يقول إن هناك فرق كبير بين الجاهز والمفصل، في الجودة والشكل.

وعوضًا عن الحياكة والتفصيل أو شراء البدلة الجاهزة، راجت مؤخرًا محلات تأجير البدل الرسمية بسعرٍ رمزي لا يتجاوز 50 شيكلاً، وذلك نتيجةً لتدهور الأوضاع الاقتصادية في غزة وزيادة المصاريف التي تثقل كاهل أيّ شاب مقبل على الزواج؛ إلا أنّ أبو شعبان يشتكي من تأثير هذه المحال سلبًا على عملهم كمصممين وخياطين.

ونظرًا للظروف الاقتصادية التي يعاني منها الشبان في قطاع غزة، بحيث يعتمد ثلثيهم على عائلاتهم في الحصول على الدخل وفق استطلاع للرأي أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قام أبو شعبان بابتكار طريقة تُمكِّن الشاب العريس الاستفادة من بدلة زفافه بطرق مختلفة.

يقول الرجل في حديثٍ لـ "آخر قصَّة": "بدلة العريس لا تصلح لأي مناسبة أخرى، وعادة يلبسها العريس ليلة زفافه فقط ثم يركنها في خزانته؛ لذلك ابتكرت طريقة جديدة ليستطيع استغلالها من خلال إزالة التركيبات المصنوعة من الستان والشمواه والإكسسوارات التي تعطيها فخامة خاصة، وتحويلها إلى ببدلة عادية يمكن استغلالها للعمل أو مناسبات أخرى".

يكتنز المتجر الصغير بلفات الأقمشة ذات الألوان الداكنة التي يفضلها الشباب غالبًا لبدل الزفاف، وبينها يقف أبو شعبان مُعلِّقًا على رقبته متراً وردي اللون مسجلاً قياسات الزبون محمد الزعانين. 

يقول الزعانين وهو شاب مقبل على الزواج في حديثٍ مع "آخر قصة": "بعد تجربة اخواني، جئت لتفصيل بدلتي وأنا مطمئن لأني أحب الاختلاف، والسوق مليء بالموديلات المكررة والقماش الاستهلاكي العادي، فأنا أضمن هنا بدلة مصنوعة خصيصاً لي".

وكان ذلك ما أكده أبو شعبان بقوله: "ما يميز تصميم وخياطة البدل أنها تُصنع خصيصاً على مقياس وذوق الزبون، ودائمًا ما يلجأ للتفصيل الأشخاص طوال القامة أو قصارها أو حتى من يُعانون البدانة المفرطة لعدم توفر مقاساتهم في الأسواق فمن خلال الخياطة يحصلون على بدلة تليق بمقاسهم تماماً". 

رغم ما يحققه هذا المصمم من صيت ونجاح إلا أنه يعاني الصعوبات في مهنته وذلك نتيجة أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تُصيب عصب القطاع الصناعي ومختلف مناحي الحياة في قطاع غزة منذ عام 2006 وتستمر إلى اليوم.

وتُسبب أزمة الكهرباء تحدٍ كبير أمام إنجاز أبو شعبان في عمله، إذ يضطر في كثيرٍ من الأحيان إلى تأجيلِ الكثير من الطلبات أو التأخير في المتجر بصحبة العاملين الذين يساعدونه إلى منتصف الليل، يُعقّب: "البدلة التي تحتاج لـ 5 ساعات من العمل المتواصل قد تحتاج ليوم أو يومين في ظروف الكهرباء".

لا تتوقف مصاعب عمل الخياطين في قطاع غزة عند انقطاع التيار الكهربائي، ولكنها تمتد إلى عدم قدرتهم الحصول على أقمشة مناسبة وهو ما عبّر عنه أبو شعبان بقوله: "هذا أكبر تحدي أمامنا فلا يوجد في غزة الكثير من الأقمشة المتنوعة وذات الجودة العالية". 

يأتي ذلك في ظلّ غلاء أسعار هذه الأقمشة؛ ما يُوثر طرديًا على السعر الكلي للبدلة ويؤدي لانخفاض نسبة الربح لدى الخياط الذي يصعب عليه رفع سعر البدلة استجابة للأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها السكان.

يكشف أبو شعبان السرّ في استحواذه على أذواق الشباب وشيوع صيّته قائلاً: "أن تشارك الناس أفراحهم في مرحلة من أهم مراحل الزواج يعطيك الأمر نوع من السعادة، وأنا تفوق سعادتي بإنتاج البدلة سعادة العريس ذاته، كما أن شعوري تجاهه بالمسؤولية ليظهر في زفافه بأبهى حُلة هو أهم عوامل نجاحي".