أطفال حرموا الغذاء: لا طاقة على اللعب

 أطفال حرموا الغذاء: لا طاقة على اللعب

في زاوية من خيمة النزوح غرب مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يجلس الطفل محمد عبد الهادي (9 أعوام) ممسكًا بدميته البلاستيكية الوحيدة، ينظر إليها بعيون خاوية، تقول أمه أنه يشكو إليها بشكل متواصل احساسه بأنه هزيل ولا يقوى على الحركة.

 محمد، مثل آلاف الأطفال في غزة، لم يعد يملك الطاقة للركض أو اللعب، بعد أن تحوّل الجوع إلى شكوى يومية تعجزه عن ممارسة حياته كطفل.

بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، يعاني 90% من أطفال غزة دون العاشرة من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 30% مصابون بسوء تغذية حاد، ما يؤثر على نموهم الجسدي والعقلي. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن 65% من أطفال القطاع فقدوا أكثر من 10% من أوزانهم منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023.

"الأطفال هنا لم يعودوا يطلبون الطعام.. لأنهم يعرفون أنه غير موجود"، تقول طبيبة الأطفال سهام أحمد، في مقابلة مع "آخر قصة". وتضيف: "نرى حالات هزال غير مسبوقة، بعضهم يتوقف عن الكلام أو الحركة كرد فعل نفسي-جسدي للجوع".

في سوق خان يونس، تصطف أم ياسمين (32 عامًا) منذ ساعات الصباح الأولى، لأخد دورها في طابور أمام تكية تطهو العدس للنازحين، حاملة علبة بلاستيكية فارغة. تقول: "مر وقت طويل لم نذق لا نحن ولا أطفالنا طعم الخبز، ونعيش على ما تجود به التكايا من طعام بالمجان، ولكن حتى هذه نفذ طعامها مع استمرار الحصار".

تشير هذه السيدة التي اضطرت للانتظار أكثر من خمس ساعات دون جدوى، إلى أن أطفالها ينامون وهم يتضورون جوعاً، ولم يعد لديهم طاقة على ممارسة أي شيء، حتى القيام بالأعباء المنزلية كتعبئة جالونات المياه أو شحن بطاريات الطاقة المشغلة للإنارة.

وطبقا لتقديرات أممية فإن 95% من سكان غزة لا يحصلون على الحد الأدنى من الطحين، في ظل استمرار إغلاق المعابر، ومنع إدخال المساعدات، وسيطرة اللصوص على الكمية المحدودة التي يسمح بإدخالها من وقت لآخر.

في مخيم النصيرات، تجلس سلمى (8 أعوام) مع أقرانها داخل غرفة، يحاولون اللعب بـ"كرة" مصنوعة من خرق بالية. تسألها "آخر قصة" : "لماذا لا تلعبين كما قبل؟"، فتجيب: "كنت ألعب الحجلة، لكن بطلت اقدر اقفز".

أما أحمد أبو عيسى، وهو أب لخمسة أطفال، فيقول: "ابني يوسف (7أعوام) كان يحفظ أسماء حيوانات حديقة غزة.. الآن يحفظ أسعار السلع في السوق السوداء".

الأخصائي النفسي محمد مهنا، بدوره أوضح أن "اللعب حاجة عصبية لنمو الدماغ، لكن الجوع يحوّل كل طاقة الطفل إلى البحث عن البقاء".

ويضيف مهنا الذي يعمل ضمن فرق تعزيز الصحة النفسية للناجين من الحرب: "حتى الأحلام تغيرت لدى الأطفال (..) صاروا يحلمون بالخبز بدلًا من الألعاب والحصول على جوائز التفوق"، مشيراً إلى أن هذا الواقع المأساوي يطيل أمد تعافي الأطفال في مناطق النزاع.

بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن 87% من مدارس غزة تضررت أو دمرت، مما حرم الأطفال من مساحات اللعب الأخيرة. بينما يحذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن جيلًا كاملًا في غزة قد يعاني من إعاقات تعلمية دائمة بسبب سوء التغذية.

في الأثناء قال المحامي بلال البكري، إنه في الوقت الذي يتحدث فيه العالم عن حقوق الطفل، يُحرم أطفال قطاع غزة من حقهم في اللعب والحصول على الطعام.

وأوضح أن هذا الواقع منافي لكافة الأعراف الدولية التي منحت الأطفال في مناطق النزاع الحق في الحماية الكاملة، مطالباً بضرورة ممارسة ضغط دولي من أجل تحسين ظروف حياة الفلسطينيين في قطاع غزة بما في ذلك الأطفال.

 

موضوعات ذات صلّة:

حين تُسرق الضحكة: أطفال غزة بلا مساحة للعب

أن تُخبز الحياة في زمنِ الجوع

غزة: الناجون من الحرب قد يقتلهم الجوع

أطفال غزة في معقل الإبادة: أحوال كارثية

سنتيمترات معدودة.. أذرع أطفال غزة تختصر حجم مأساة الجوع