طبق مفقود في ظل الحرب: أين الملوخية؟

طبق مفقود في ظل الحرب: أين الملوخية؟
طبق مفقود في ظل الحرب: أين الملوخية؟

لم يكن طبق الملوخية مجرد طبق عابر على المائدة الفلسطينية عموماً وموائد قطاع غزة على وجه الخصوص، فهو طبق له حضور خاص، إذ أنه يعد رفيق الفقراء الذين كانوا يشكلون قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، ما نسبته 40% من عدد السكان البالغ 2.3 مليون نسمة.

وبما أن الحرب قد ضاعفت نسبتي الفقر والبطالة على نحو يتجاوز 72% وفق آخر إحصاءات، فمن الطبيعي أن تصبح الملوخية طبقاً رئيسياً على موائد الغالبية من سكان القطاع الذين يرزحون تحت ظلال الحرب ويكابدون عناء النزوح في الخيام منذ أكثر من 260 يوماً. لكن الأمر لا يبدو كذلك، إذ أضحت الملوخية طبقاً نادراً وربما فارهاً بالنسبة للمواطنين، لاسيما أنه يقدر تكلفة تحضير الكيلوجرام الواحد من هذه النبتة بنحو 50 شيكلاً (أي نحو 14 دولاراً)، وبالكاد يعد وجبة غذاء لأسرة مكونة من خمسة أفراد.  

تقول المواطنة الفلسطينية سوسن محسن (36 عاماً) وهي من سكان شمال غزة، إن طبق الملوخية كان يشكل قبل الحرب، بالنسبة لأطفالها الأربعة مصدر سعادة، حيث كانوا يتسارعون إلى المائدة لتناوله سواء كان ذلك مصحوباً بالخبز أو الأرز.

غير أن تردي الوضع الاقتصادي نتيجة الحرب والحرمان وفقدان مصدر دخل الزوج الذي كان يعمل في سلك التعليم بغزة، حرم سوسن وأسرتها من تناول الملوخية. وترجع هذه السيدة الأمر لسببين اثنين: الأول كما قالت إن الملوخية أضحت شحيحة في أسواق شمال قطاع غزة، والثاني: أن هذه النبتة أصبحت "طبق الملوك" لمضاعفة ثمنها على نحو غير مسبوق.

واضطرت سوسن تحت تأثير إلحاح أطفالها المتزايد بجلب هذه النبتة المحببة، كلما مروا بالقرب من بسطة خضار فقيرة إلا من الملوخية، للاستدانة من شقيقتها لأجل شراء كيلو جرام من الملوخية بقيمة (50 شيكلاً) يمكنها من تحضير طبق بديل عن المعلبات لأسرتها التي أنهكت أمعائها جراء تناول البقوليات، كما قالت.

ويعيش شمال قطاع غزة، مجاعة نتيجة رفض الاحتلال الإسرائيلي السماح بتدفق المساعدات والخضروات إلى تلك المنطقة التي يقيم فيها ما يزيد عن 700 ألف مواطن، الأمر الذي يدفع السكان لتناول المعلبات التي حصلوا عليها عبر المنظمات الإغاثية أو قاموا بشرائها من الأسواق السوداء بأسعار فلكية.

وقلة هم الذين يملكون الآن شراء الملوخية وكذلك الأنواع الأخرى من الخضار كالكوسا والباذنجان. واللتان تشهدان أيضا ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، لكنهما لا تحوزان على نفس الاهتمام من السكان كالملوخية.

وأوضحت سوسن أن اعداد طبق الملوخية تطلب توفير مرقة الدجاج كبديل في ظل عدم توفر اللحوم والدواجن، وكذلك تطلب شراء فصين من الثوم لأنها أيضاً سلعة تشهد ارتفاعاً حاداً يعجز السكان عن شراءها على هيئة رؤوس، وكذلك اضطرت لإشعال الحطب لأجل طهي الملوخية، في ظل عدم توفر غاز الطهي.

وعلى الرغم من هذه المشقة، قالت: "في الحقيقة رغم قساوة هذه الظروف، لكن السعادة لامست قلبي حينما رأيت فرحة أطفالي بالطبق بعدما حرموا منه لوقت طويل، ومع ذلك اشعر بغصة في الحلق لأن ابسط حقوقنا في المأكل والمشرب والحياة الأدمية والصحية أصبحت أحلام".