كم تحتاج سلة غزة الزراعية وقتاً للتعافي؟   

كم تحتاج سلة غزة الزراعية وقتاً للتعافي؟   

لم يعد أمام المزارعة الفلسطينية المسنة سعاد رجب، فرصة للاسترزاق بعد أن سحقت الحرب على قطاع غزة محصول أسرتها من الفراولة والبصل، وحرمتها مصدر الدخل الذي يعتمد اعتمادا رئيسياً على نتائج المحصول.

ودفعت قلة ذات اليد المزارعة رجب (62 عاماً) القاطنة في منطقة العطاطرة شمال غرب قطاع غزة، إلى جمع أوراق التوت وبيعها في أسواق محافظتي غزة والشمال، لأجل توفير اليسير من المال حتى تغطي احتياجات أسرتها بما فيها علاجات زوجها الذي اقعده المرض.

 قالت رجب وهي جالسة على قارعة طريق بعد أن جففت العرق المنساب على وجنتيها المحمرتين: "لم يعد باليد حيلة، لقد سحقت الآليات العسكرية محاصيلنا ودمرتها، ولم يعد بمقدورنا توفير قوت يومنا، لذلك لجأت إلى جمع أوراق شجرة التوت التي ظلت صامدة على أطراف أرضنا، بمساعدة أحد أحفادي، وها أنا استثمرها في البيع".

ولجأ المواطنون في محافظتي غزة والشمال المقدر عددهم 700 ألف مواطن، إلى استخدام أوراق التوت في الطهي بديلاً عن أوراق العنب (الدوالي)، وهي حيلة جديدة يعتمدها السكان في ظل المجاعة التي تضرب أطنابها في شمالي القطاع للمرة الثانية خلال العام الحالي، وبخاصة في ظل عدم توفر الخضروات واللحوم، الأمر الذي تسبب بانعدام التغذية للأفراد لاسيما الأطفال.

ولم تفضل السيدة رجب التي تنحدر من قرية بيت لاهيا، النزوح عن بلدتها مثلما فعل بعض أبنائها وزوجاتهم وأطفالهم خلال العملية العسكرية على شمال غزة (أكتوبر- ديسمبر)، ولجأوا إلى مخيمات الإيواء في جنوب القطاع. تقيم هذه المسنة الآن رفقة زوجها وبعض أحفادها في بيت متهالك أصابته قذائف الحرب، ذو حديقة خلفية استثمرتها في زراعة أحواض من الجرجير والبقدونس والنعناع.

وتسعد بعد أيام لقطف هذه المزروعات وطرحها في الأسواقـ علها تعود عليها بالقليل من المال الذي يمكنها من شراء الاحتياجات الأساسية كالمعلبات والبقوليات، والتي قالت إنها لم تحظ بفرصة متكافئة مع غيرها من السكان الذين حصلوا عليها (أي المعلبات) عبر الجهات المسؤولة عن توزيع المساعدات الإغاثية.

وسحقت الحرب عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية التي كانت تعتمد عليها الأسواق المحلية في توفير احتياجات المواطنين من الخضار واللحوم البيضاء، فضلاً عن تدمير مزارع الأبقار والمواشي، واستنفاد ما تبقى منها في ظل منع أدخال أي منها عبر المعابر التجارية مع القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ولم تتوقف عمليات تدمير الأراضي الزراعية على أراضي شمال غزة فحسب، وإنما تمتد إلى جنوب القطاع، حيث اشتكى المزارع الفلسطيني نزار أبو جزر من محافظة رفح من تدمير الاحتلال الإسرائيلي خلال عمليات العسكرية في المحافظة لنحو 40 دونماً زراعية كان يعتمد عليها في تغطية احتياجات السوق.

وقال أبو جزر، إن العمليات العسكرية على رفح سحقت الحمامات الزراعية المزروعة بأنواع مختلفة من الخضار، وتقام على مساحة تزيد عن 40 دونماً، مشيراً إلى أن هذا الأمر فاقم احتياجات السكان وحرم المئات من المزارعين من مصدر الرزق.

أمام هذا الواقع، الذي يتزامن مع إغلاق كامل للمعابر التجارية مع قطاع غزة منذ مايو الماضي (العملية العسكرية على رفح)، وفقدان الغالبية من السكان لمصادر الدخل، تتزايد شكوى انعدام التغذية، والهشاشة وانتشار الأمراض.

ووصف المواطن ربيع كرزون، السكان بأنهم هياكل عظمية تمشي على الأرض، كناية عن واقع الجوع الذي أصاب الكثير منهم بالنحافة الشديدة والجفاف.

وقال كرزون وهو مزارع متعطل عن العمل بفعل تدمير مزرعته: "لقد دمروا محاصيلنا الزراعية التي نعتمد عليها في الغذاء وتشكل مصدر دخلنا الوحيد (..) لم يعد لدينا القدرة على احتمال المزيد من الجوع والفقر بعد مرور كل هذا الوقت، على العالم أن يفعل شيئاً لإيقاف هذه المجاعة".

وطبقاً لدراسة أممية، فإن 45% من الآبار الزراعية في قطاع غزة قد دمرت نتيجة الحرب الدائرة منذ أكثر من 300 يوماً، فيما جرى تدمير نحو 75% من الأراضي الزراعية.

من جهته، قال فاضل الزعبي مستشار منظمة (الفاو) الإقليمي، الحرب لم تؤثر على المزارعين فحسب، ولكن خروج هذه المساحة الكاملة من الإنتاج الزراعي والحيواني سوف يؤثر على المواد الغذائية الضرورية اللازمة للسكان وبخاصة في ظل منع إدخال الخضار والفواكه وغيرها من معونات عبر المعابر.

وأضاف "التدمير الذي طال قطاع الزراعة أدى إلى إرباك الثروة الحيوانية، خصوصا في ظل انعدام الأعلاف واللقاحات، والبيض والدواجن والحليب والألبان (..) هذه المواد جميعها يتعذر إدخالها إلى القطاع عبر التدخلات الإغاثة الدولية، علماً أنها ضرورية من أجل صحة وسلامة وتغذية أطفال غزة".

في الوقت نفسه، عبر الزعبي ثقته بقدرة قطاع غزة على استعادة سلسلة القيمة للدورة الزراعية، على الأقل خلال السنة الأولى من توقف الحرب، مشيراً إلى أن التعافي المبكر قد يبدأ في غضون (4- 5) سنوات كي يعود قطاع الزراعة في غزة إلى سابق عهده.

وأكد أن القطاع الزراعي يملك خبرات متراكمة تؤهله لبلوغ التعافي السريع، لكنه طالب المنظمات الإغاثية والتنمية الزراعية، للاستجابة السريعة للمتطلبات الأساسية اللازمة للحياة بما في ذلك دعم المزارعين بالبذور والأسمدة والأعلاف واللقاحات، كي يمكن المزارعين الغزيين من استئناف دورة الإنتاج الزراعي مجدداً.