مصروفات "كوافير" في غزة

مصروفات "كوافير" في غزة

قبل أيام كانت تتجول السيدة داليا عبد الرحمن بين خيم جاراتها في مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، تطمئن على ظروفهن ومن ثم تخبرهن استئنافها العمل في مهنة كصاحبة صالون تجميل.

واستعاضت داليا وهي أمّ لأربعة أطفال، عن صالون التجميل، بمساحةٍ محدودة داخل بيتها  المُتضرر بشكلٍ بليغ. تستقبل فيها زبائنها من النساء، من أجل تحسين دخل أسرتها  بعد رحلة نزوحٍ قسري استمرت لأكثر من عام. 

تؤكد السيدة عبد الرحمن، أنّ الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ ثمانية عشر شهرًا ألّقت بظلال بائسة على وضعها المعيشي الذي لم يكن في أفضل حالاته سابقًا، وزادت الحرب الطين بلّة. لجأ زوج داليا إلى عرض بسطة للمواد الغذائية، وبعد شُح المساعدات وتدفق البضائع اضطر لايقافها.

أمام هذا الواقع وجدَت هذه المرأة نفسها مُضطرة للعمل، غير أنّ محاولاتها السابقة لم تكن مُجدية، حيث سبق وأن حولت خيمة نزوحها قبل أشهر في مواصي خانيونس جنوب قطاع غزة، إلى صالون تجميل ومع ذلك فالعائدات المادية كانت بسيطة جدا لا تغطي أي من نفقات الأسرة.

تحاول عبد الرحمن ترتيب أمورها لتبدأ العمل من جديد كما قبل الحرب خاصّة أنّ الإقبال على عملها يزداد في مواسم الأعياد. ورغم مرور شهرين على عودتها إلى العمل في مجال تصفيف الشعر، تُواجه صعوبات عدة، أبرزها انقطاع التيار الكهربائي، وعدم وجود غرفة مجهزة لاستقبال زبائنها، فاكتفت بتخصيص زاوية منفصلة من البيت، وضعت مرآة كبيرة وشوادر بلاستيكية تفصلها عن باقي المنافع لمنحها جزءًا من الخصوصية.

ولقاء ذلك استدانت داليا مبلغ 2500 شيكلا وفرت من خلاله مستلزمات الكوافير لاستقبال الزبائن، ومنها أيضًا "الكوزمتكس" كالمكياجات وصبغات الشعر والأدوات البسيطة اللازمة للعمل والتي لا تحتاج توفر التيار الكهربائي فلا تستطيع تلبية أيّ طلب يحتاج توفر الكهرباء؛ إذ تعمل وفق الإمكانات المحدودة المتوفرة لإعالة نفسها وأسرتها.

داليا ليست المرأة الوحيدة التي فقدت مصدر رزقها في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لكنّها كالآلاف من النساء المعيلات لأسرهن، تحاول التأقلم مع الأسعار الجديدة المرتفعة في الأسواق، ومع ذلك تجد نفسها عاجزة في ظلّ محدودية دخلها وعدم استقراره بشكلٍ شهري؛ ما يسبب لها قلقًا مستمرًا.

توضح عبد الرحمن لـ "آخر قصة" أنه قبل الحرب، كان عائدها الشهري لا يتجاوز 500 شيكل (150$)، إلا أنّها صُدِمت عندما عادت إلى شمال قطاع غزة لتجد أن الصالون قد دُمر بالكامل، فقررت العمل من داخل البيت، وبعد شهر من العمل استطاعت كسب 200 شيكل شهريًا فقط.

وتضيف: "هذا المبلغ في ظلّ الغلاء الفاحش الذي يسيطر على الأسواق، لا يكفي لسدّ أبسط احتياجاتنا في البيت، لاسيما مصاريف شحن هاتفي وهاتف زوجي بتكلفة شيكلًا واحدًا لكل هاتف يوميًا، وشحن بطارية الإضاءة كل يومين بتكلفة 5 شواكل، وتعبئة ثلاث جالونات مياه بتكلفة 3 شيكل يوميًا، وتوفير 4 بطاقات انترنت أسبوعيا بتكلفة شيكل للواحدة، إضافة إلى مصروف بناتي الأربعة وهو 30 شيكلا أسبوعيًا".

مؤخرًا عاد زوج داليا للعمل على بسطته لبيع حاجيات الأطفال من بسكويت وشوكولاتة وسكاكر؛ ليحقق دخلًا يتراوح بين 20 و30 شيكلًا في اليوم، وأحيانًا لا يبيع إلا بـ 5 شواكل. ليصل مجمل دخله الأسبوعي إلى حوالي 100 شيكلًا، يخصص نصفها للبضاعة.

تقول داليا التي يُقدَّر مدخولها الشهري مع مدخول زوجها 600 شيكلًا، ويترك لها زوجها شؤون تدبير مصروف البيت إذ يعطيها جزءًا من ربحه (حوالي 50 شيكلا) ليتمكنوا معًا من تدبير مصروف أسبوعي للبيت قدره نحو 50 شيكلًا للمأكل والمشرب، وهو مبلغ ضئيل جدًا في ظلّ ارتفاع أسعار الخضروات. وتعتمد داليا على المساعدات الإغاثية التي تصلها، فيما يتكون طعام الأسبوع من العدس والأرز والمعلبات التي تتضمنها تلك المساعدات، ومع اغلاق المعابر منذ مارس الماضي ونفاذ تلك المساعدات، أضحت تواجه هي وأطفالها الجوع.

وتشير إلى أن الأسعار قد ارتفعت بشكلٍ كبير مع إغلاق المعابر؛ ما يعني أنّها تضطر لدفع نحو (100 شيكلاً) لإعداد "طبخة" مغذية مكونة من الخضروات لأسرتها، فتحاول التقنين قدر المستطاع وفي أفضل الأحوال تطهو ثلاث طبخات أسبوعيًا؛ لذلك تكتفي بإعداد المعلبات لهم في معظم الأوقات.

وفيما يخصّ الأعباء المعيشية، تضيف داليا أنّها اضطرت إلى الاستدانة من شقيقتها قبل شهر مبلغ 200 شيكل، وهو ما زاد حجم الديون التي تراكمت على كاهلها، والتي تقدرها بنحو 1200 شيكل، إضافة إلى دين افتتاح زاوية الصالون التجميلي بالمنزل، بينما توضح أنّ ما تحتاجه لتلبية احتياجات الأسرة الأساسية فقط هو 2000 شيكل شهريًا، وهذا المبلغ لا يتضمن أي مصاريف إضافية، مثل مصاريف التعليم أو الوقود.

و​شهدت السنوات الأخيرة في قطاع غزة تحولًا ملحوظًا في مشاركة النساء بسوق العمل، حيث تزايدت أعدادهن في مجالات العمل اليومي (المياومة)، نتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع معدلات البطالة، وغياب فرص العمل الثابتة، فيما يفتقر العاملين بنظام المياومة إلى الأمان الوظيفي والحقوق العمالية؛ مما يزيد من هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي للنساء العاملات.​

تُجسد داليا مثالًا حيًا للنساء اللواتي يشاركن في إعالة الأسرة، ويواجهن تحدّيات كبيرة في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة في غزة. وعلى الرغم من جهودها المستمرة للعمل وتحسين وضعها، إلا أن المستقبل ما يزال يحمل الكثير من الغموض والمخاوف من فقدان مصدر دخلها في أيّ وقت، لتبقى هي وزوجها في مواجهة يومية مع أعباء الحياة الصعبة.

 

موضوعات ذات صلّة:

العمل عن بعد: عائدات لا تغطي قائمة النفقات

فاتورة مصروفات سائق أجرة تحت الحرب

فاتورة مصروفات ممرضة تحت الحرب

غزة: النساء الفقيرات ومسؤولية تحضير مائدة رمضان