الصم يستأنفون رحلة صناعة الدهشة بغزة

الصم يستأنفون رحلة صناعة الدهشة بغزة

قد يبدو من الصعب أن تقف بين مجموعة من المنتجات والمشغولات اليدوية الفلسطينية، وتتخلى عن شعور الدهشة التي تصيبك نتيجة مستوى الجودة والدقة والحرفية العالية التي تقف وراء عملية إنتاج يقودها أشخاص من فئة ذوي الإعاقة السمعية (الصم). 

ضمن حدود مساحة تزيد عن مئتي متر تقريباً، داخل جمعية أطفالنا للصم غرب مدينة غزة، تقف الأثواب الفلسطينية التراثية بثبات على دمى عرض الملابس (المانيكان)، ويلتف الزوار حولها باندهاش كبير.

أمل (33 عاماً) سيدة من ذوي الإعاقة السمعية، تشير إلى فستان مطرز بألوان زاهية وتقول بلغة الإشارة "من الصعب أن تجد أحداً قادراً على صنع هذا الجمال، بهذه الدقة والحرفية، نحن نعرف كيف ننتج الأشياء على أصولها" قالت ذلك وضحكت بثقة.  

بعد انقطاع لأكثر من عامين، بسبب جائحة كورونا، عادت الجمعية أطفالنا للصم وهي الأولى محلياً التي تعمل على تشغيل فئة ذوي الإعاقة السمعية في المهن الحرفية، أطلقت بازارها السنوي لعرض المنتجات والمشغولات اليدوية من إنتاج الأشخاص "الصم".

محمود سالم (48 عاماً) أحد رواد المعرض، قال "في الحقيقة المنتجات مدهشة بشكل كبير، فهي ليست مجرد إنتاجات عادية، إنها تضاهي البضائع المستوردة خصوصا فيما يتعلق بالأثاث، والمشغولات الخشبية".

وأضاف سالم وهو موظف في إحدى المؤسسات الدولية: "نحن اعتدنا على أن يصنع الصم لنا أجمل المنتجات وهذا بالمناسبة ليس جديداً عليهم، وهذا يجعلنا أمام تحدِ بضرورة دعم هذه الفئة بشكل أكبر، والمساعدة في دعم إنتاجها، لخلق مساحة أوسع من فرص العمل في صفوف فئة ذوي الإعاقة".

وبينما كانت الزوار يتوافدون حول أعمال التطريز اليدوي، والسيراميك، كانت تحاول الشابة نداء غزال (30 عاماً) أن تلتقط لهم صوراً.

تعاني "غزال" من إعاقة سمعية منذ الطفولة، وقد أصبحت بارعة في مجال التصوير الفوتوغرافي، حيث تساعد أقرانها من فئة الصم على إبراز منتجاتهم من خلال الصور.  

تعمل غزال وهي خريجة كلية تكنولوجيا الإبداع بالجامعة الإسلامية، منذ خمس سنوات داخل قسم التسويق بالجمعية، وتتكفل بتصوير المنتجات، والتسويق لها عبرّ شبكات التواصل الاجتماعي.

تقول غزال مستخدمة لغة الإشارة في التعبير عما تريد قوله "اليوم عُدنا للبازار بعد انقطاع، أشعر برهبة بسيطة كونها مشاركتي الأولى في نقل مجريات البازار والتسويق للمنتجات من خلال موقع وصفحات الجمعية، لكن إبداع زملائي منحني دافع قوي للتفاخر بما نعرضه".

ويتكون البازار من ثلاثة أقسام، الأول وهو معرض المنتجات الحرفية، وصناعات خشبية وأثاث والتطريز والسجاد المصنوع باستخدام النول، إلى جانب الأزياء المطرزة والسيراميك الخزف والأعمال الفخارية، بالإضافة إلى زاوية الأطفال الترفيهية، والكافتيريا التي تديرها مجموعة من ذوات الإعاقة السمعية.

يقول المهندس إبراهيم المهتدي مدير التسويق في جمعية أطفالنا للصم "جميع المنتجات من إنتاج الصم، ويهدف المعرض إلى بيع المنتجات ليعود الريع إلى الصم، والذي يساعدهم على الاستمرارية في عملهم، ويمنحهم القدرة على توفير دخل لهم ولأسرهم". مضيفًا أنّ جودة منتجاتهم الحرفية تثبت مدى قدرتهم على الإنتاج معتمدين على قدراتهم ومهاراتهم.

خلال الأشهر الماضية، عمل البعض من الصم على إنتاج الأثاث المنزلي، من أطقم كنب ونوم وسفرة، وقطع موبيليا مختلفة، إلى جانب إنتاج آخرين البسط على آلة النول اليدوية والتي اشتهر بها الفلسطينيون منذ زمن، فيما عملت أخريات على إنتاج المطرزات اليدوية المختلفة وبألوان متنوعة.

ويشير المهتدي إلى أنّ جزءا كبيرا من العاملين خلف هذا المعرض والمنتجات الحرفية، يعملون ضمن إطار الجمعية، حيث يتم توفير لهم المواد الخام المستخدمة، وقال "نستهدف أيضًا أكثر من 150 سيدة من الصم أو عائلاتهم وبعض العائلات التي تعاني من ضعف اقتصادي، بهدف توفير فرص العمل والدخل لهم". 

ويتزامن بازار هذا العام، بمرور 30 عاماً على انطلاق جمعية أطفالنا للصم، وهو ما دفع الجمعية لفرض خصومات 30% على قيمة المنتجات بهدف تشجيع الجمهور على الشراء وزيادة الريع.