تتشبث الطفلة حياة أبو عرمانه (٦) سنوات، في عنق أمها خوفًا من أصوات القصف الإسرائيلي الذي يتجدد بين الفينة والأخرى. يغزو الخوف ملامحها الطفولية، فهي صغيرة البيت بين أربعة أطفال أكبرهم في سن العاشرة.
يقطن الأطفال الأربعة رفقة أمهم رنا (29 عاماً)، داخل شقة سكنية تقع وسط قطاع غزة، والتي تحاول إشغالهم بألعاب الهاتف المحمول تارة، وتارة أخرى عبر تشغيل فيديوهات تعليمية، وترفع في كل مرة مستوى الصوت لتجاوز أصوات القصف الذي يدور خارج المسكن، ولكن دون جدوى.
تسأل الطفلة "حياة" أمها بصوت ممزوج بالخوف: "هل تعرف الطائرة بيتنا يا أمي؟"، ثم تضع رأسها على كتف الأم في محاولة منها للاحتماء. تضيف الطفلة التي فقدت أبيها في تصعيد عسكري مشابه كالذي تعيشه غزة اليوم، "طيب إحنا هنعيش يا ماما؟ متى رح تروح الطائرة؟".
في المقابل، قالت الأم في سياق حديثها لـ"آخر قصة": "صغاري لم يعتادوا على أصوات القذائف التي تسقط بين وقت وآخر على مناطق متفرقة من القطاع.. هم يسمعونها كأنها أول مرة، ويعود الخوف يسيطر عليهم".
وأشارت الأم، إلى أنها تحاول تشتيت أفكار صغارها حتى لا يتملكهم الخوف، مع التأكيد في الوقت نفسه على الإصغاء لأحاديثهم أثناء تحصنهم جميعا داخل غرفة يحسبون أنها الأكثر قدرة على حمايتهم من أحداث القصف الدائرة لليوم الثالث على التوالي.
وبدأت الطائرات الإسرائيلية شن هجمتها ضد قطاع غزة، باغتيال أحد قادة تنظيم حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، ظهر الجمعة -٥- أغسطس ٢٠٢٢- وبلغ عدد الشهداء حتى إعداد هذا التقرير نحو 32 شهيداً بينهم 6 من الأطفال.
ليست السيدة "رنا" وحدها من تواجه تحدي احتضان الأطفال منفردةً خلال أعمال التصعيد العسكري، سلمى جبريل (33 عاماً)، هي الأخرى تواجه تحدي كبير يتعلق بحماية أطفالها الأيتام في ضوء القصف المتواصل على القطاع، دون وجود أماكن أمنة للسكان.
وأشارت جبريل التي توفي زوجها قبل عامين، إلى أنها لا تغفو لها عين منذ اللحظة الأولى التي أعلنت فيها إسرائيل شن عملية عسكرية على غزة، خوفا على أرواح أطفالها.
وقالت السيدة التي تعيل خمسة أطفال، ادعاء الصمود هو ادعاء كاذب، إذ ليس بالإمكان احتواء مخاوف الأطفال وأنت نفسك تشعر بالخوف أيضاً من أن تفقد أحدهم، لقد جربت شعور الفقد حتى صرت أتوجس في كل لحظة من فقدان أحد أطفالي، وبخاصة عندما أشاهد مقاطع الفيديو الذي تبثه مواقع التواصل الاجتماعي لجثامين الشهداء الأطفال.
وتستعرض السيدة أسئلة أطفالها: ماما متى ستنتهي هذه الحرب؟، كيف سننجو من كل هذا القصف؟، لماذا لا نسافر ونترك هذه المدينة؟ أسئلة كثيرة قالت إنها لا تملك القدرة على الإجابة عليها كأم.
ويشكل الأطفال نصف سكان قطاع غزة، ويشير المركز الفلسطيني للإحصاء إلى أن نسبة الأطفال تتجاوز ٤٧٪ من مجمل عدد سكان القطاع.
وأصدر مركز غزة للصحة النفسية في قطاع غزة مساء أمس السبت-٦ أغسطس- مجموعة من الإرشادات الخاصة بالتعامل مع الأطفال، لاسيما في حالات الخوف من القصف، وقوع قذائف بالقرب أماكن تواجدهم، ومن بينها تجنب إظهار الخوف من الأهل أمام الصغار، واحتضان أطفالهم بشكل مستمر.
وقالت الأخصائية النفسية عليا أبو مريم، إن التعامل مع أطفالنا خلال التصعيد، يحتاج البدء مباشرةً بإحاطة الأطفال بالطمأنينة وعدم تركهم عرضة لمواجهة المشاهد التي تبث دون دعم نفسي، وذلك عن طريق الحديث المتواصل معهم والتأكيد على أن كل شيء سيكون على ما يرام.
وأضاف أبو مريم "لابد من تقديم الدعم النفسي للأطفال من خلال التأكيد لهم على أنهم يعيشون في أمان ولن يصيبهم أي أذى، بأسلوب فيه الكثير من مشاعر الحب والحنان، منوهة إلى ضرورة تشتيت انتباه الأطفال عما يحدث في حال وقوع استهداف على مقربة من مسكنهم.
وتتجاوز أعمال التصعيد الحاصلة في قطاع غزة والتي تشكل خطراً على حياة الأطفال بوجه خاص، ما نصت عليه اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة لعام ١٩٢٤ "تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن لطفل حماية ورعاية اللازمتين وأن تحمي الدولة والمؤسسات الخاصة بالطفل، من أي شكل من أشكال العنف والتميز".