غزة: التغير المناخي يراجع إنتاج العسل إلى النصف

غزة: التغير المناخي يراجع إنتاج العسل إلى النصف

في موعد قطف العسل الموسمي في قطاع غزة، أواخر نيسان الماضي، تفحصَ مُربي النحل المهندس الزراعي بكر يونس، أحد خلايا النحل الخاصّة به، إلا أنّه تفاجأ بكميات قليلة من العسل على عكس كل عام بسبب تأثيرات تغير المناخ؛ ليتخذ قرارًا بتأجيل القطف إلى عدة أسابيع.

لم يقف الأمر عند قرار تأجيل القطاف فحسب، بل إنّ كميات إنتاج العسل قلّت كثيرًا أيّضًا، يقول يونس وهو الذي بدأ تربية النحل وتسويق العسل ومشتقاته في الأسواق المحليّة قبل ثلاثة أعوام، "كان هذا الموسم مختلفًا عن كل المواسم السابقة بسبب تغيرات المناخ التي أثرت على قدرة إنتاج النحل للعسل بكميات وفيرة كما في السنوات الماضية".

تسببت تغيّرات المناخ بخسائر كبير على موسم إنتاج العسل، خلال المواسم السابقة كان محصول العسل الذي جناه يونس في منحلته الواقعة في بلدة بيت لاهيا شمال القطاع وفيرًا، وهو الذي بدأ مشروعه في تربية النحل عن طريق خمس خلايا نحل في أرضٍ زراعية تكسوها أشجار الحمضيات والفواكه، ليتوسع بعدها إلى قرابة الـ 50 خلية، ويجني كميات ممتازة من العسل في عامه الأول والثاني.

ظهر الاختلاف هذا العام عندما استمرت درجات الحرارة بالانخفاض، ومن المتعارف عليه أن قطاف العسل كان يحدث ما بين 25 أبريل/ نيسان و5 مايو/ أيار بأقصى حد، وهي الفترة التي تلي تفتح زهرة ثمار أشجار الحمضيات والفواكه خلال أول 20 يومًا من فصل الربيع، الذي يبدأ في 21 مارس/ آذار من كل عام، لتنتج رحيقها كغذاء للنحل.

لكن مع موسم الربيع هذا العام، حلّت منخفضات جوية شديدة البرودة على قطاع غزة واستمر انخفاض درجات الحرارة، وهو ما عمل على تأخير تفتح زهور الأشجار المُثمرة، وبالتالي لم يتمكن النحل من الخروج لجلب الرحيق، وفق يونس، الذي أوضحَ أنّ الكميات لم تتجاوز نصف الكمية المُعتادة، حيث جاءت للعام الحالي أقل من 140 كيلوجرام، بينما تجاوزت العام الماضي الـ 300 كليو جرام.

وفي قطاع غزة عامةً انخفض عدد خلايا النحل فيه إلى أقل من 20 ألف خلية في عام 2021، بعدما كانت عدد الخلايا في العام 2000 أكثر من 35 ألف خلية نحل، وذلك بفعل الاجتياحات وتجريف الأراضي ورش المبيدات الزراعية السامة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على القطاع خلال السنوات الماضية، بحسب توثيقات جمعية مربي النحل بغزة.

ورغم تأثيرات المناخ السلبية على عدة قطاعات إلا أنّ قطاع غزة يفتقد إلى البيانات والدراسات العمليّة في مجال تغيرات المناخ، وفق المهندس الزراعي محمد النجار المختص في إعداد أبحاث ذات علاقة بتغيرات وتقلبات المناخ مع سلطة المياه وجودة البيئة في غزة.

ويقول في حديثٍ لـ "آخر قصة": "إنّ تقلبات الجو كانت واضحة هذا العام خاصة ما بين منتصف مارس وحتى نهاية أبريل، رغم عدم وجود أبحاث ذات صلة، فتقلبات الجو كان لها أثرٌ بالغ على تفتح زهور ثمار الحمضيات وتأخرها بسبب انخفاض درجة الحرارة أقلّ من المُعدل السنوي مع بداية فصل الربيع، وهو ما أثر على توفير الرحيق للنحل؛ لينعكس على كميات العسل المُنتِجة، وعلى كميّات ثمار الحمضيات لهذا الموسم".

وعوضًا عن قطف العسل بكميات شحيحة، فضّل العمّ الستيني أبو إبراهيم جرادة عدم القطف نهائيًا خلال موسم الربيع الماضي، موضحًا السبب بقوله: "اكتفيت بترك العسل للنحل كي يتغذى عليه والتحضير لتضاعف عدد النحل والخلايا بسبب ضُعف الإنتاج هذا الموسم"، وصحيح أني لن يجني عائدّا ماديًا هذا العالم، إلا أن مضاعفة الخلايا سيكون أكثر فائدة من العائد المادي البسيط الذي قد أحصل عليه.

يمتلك جرادة قرابة 100 خلية في أرض واقعة أقصى شرق بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، وبسبب سوء الأحوال الجوية، وقرب المنطقة من الحدود مع الأراضي المحتلة، لم يتمكن من متابعة منحلته بشكلٍ جيد، ولم يكن الإنتاج هذا العام جيدًا، وفق قوله.

وحول فكرة تقسيم الخلايا لعدة مناطق مختلفة، يقول "تختلف درجة الحرارة من منطقة إلى أخرى في القطاع، ما بين الشمال والجنوب والوسط، صحيح أنّ الأجواء مُتقاربة، لكن بعض المناطق سيكون من السهل الوصول لها والاعتناء بالنحل قدر الإمكان، وفي حال لم تنتج مجموعة قد تعوض الأخرى عنها".

بدوره، يقول المهندس الزراعي المتخصص في تربية وعلاج النحل، راتب سمور "في جميع دول العالم هناك أكثر من موسم لحصاد عسل النحل، لكن في قطاع غزة محدود المساحة، والذي يعتمد على زهرة الحمضيات واللوزيات التي تزهر بداية فصل الربيع لفترة لا تتجاوز 25 يومًا على الأغلب، يحصد مربي النحل، العسل لمرة واحدة، وهو ما يجعل عملهم طول العام يعتمد على هذا الموسم المحدود فقط".

وبحسب وزارة الزراعة بغزة، أنتج قطاع غزة في عام 2021، أكثر من 200 طن من العسل، بينما أنتجت مناحل القطاع في العام الحالي 2022 أقل من 140 طن، أنتجها قرابة 300 نحال يعملون في هذا المجال، حيث أنّ الكمية التي توفرت لهذا العام تغطي قرابة 70% من احتياج سكان القطاع.

مشكلة المناخ ليست بالحديثة، إذ بدأت بوادرها تظهر منذ الأول من تسعينيات القرن الماضي، وفق سمور الذي أوضح أن السبب يعود إلى تغيير درجات الحرارة سواء بانخفاضها أو ارتفاعها الشديد في بعض السنوات، وخاصة في موسم التزهير وإنتاج العسل.

وعمل النحالون خلال الفترة القريبة الماضية، على تجهيز النحل وتغذيته وتلبيه احتياجاته للعام القادم، حيث قاموا بالبحث عن طرق وأساليب تحمي النحل وتحفز على إنتاج العسل في حال كان العام القادم مختلفًا من حيث درجة الحرارة عما هو طبيعي ومتوقع، حتى لا يخسروا موسمًا آخر.