وعد وقطتها يتقاسمان الشقاء على مفترقات غزة

وعد وقطتها يتقاسمان الشقاء على مفترقات غزة

بوشاحٍ صوفي خفيف تُغطي وعد (12 عامًا) قطتها المُدللة في طريق الشقاء الذي تسلكه يوميًا من بيت لاهيا شمالاً إلى الشجاعية شرقًا رفقة شقيقها، يقصدون متجرًا لبيع مواد التنظيف، يشترون منه بعض الزجاجات وينتقلوا إلى غرب المدينة حيث منطقة الرمال والجندي المجهول لبيعها على الطرقات.

لم يمنع الفقر وعد من اقتناء هذه القط الرمادي اللون صاحب العينان الخضراوان، رغم ما تُعانيه من عوز كبير في ظلّ انعدام الدخل، وظروف مترديّة تُكابدها وأسرتها المكونة من 7 أشخاص في غرفةٍ مسقوفة من الصفيح داخل بيت الجد، فيما الأب غائبٌ حاضر بفعل تردده الدائم إلى السجن على خلفيّة قضية ذمة مالية بعدما خسر أمواله في التجارة.

وفي غيابِ الأب ومرض الأم، كان على الصغيرة وعد وأخويّها ماهر وحبيب أن يتولوا مهمة إعالة الأسرة، وذلك عبر رحلتهم اليومية التي تبدأ بعد انتهاء الدوام المدرسي، وتستمر إلى أوقات متأخرة، يُرافقهم فيها القط "ميشو" كفردٍ من أفراد الأسرة، فيما تخشى عليه وعد نزلات البرد وتساقط الأمطار فتحمل له الأغطية.

لعلّ مشهد مرافقته إياهم يُثيرُ شيئًا من الغرابة فهل تحتمل هذه الأسرة عبء مصاريف آخرى غير أفرادها، وهي واحدة من الأسر محدودة الدخل في قطاع غزة الذي تصل نسبة الفقر فيه إلى 53% ويعتمد معظم سُكانه على المساعدات الخارجية، فيما تقتطع وعد وأخيها شيكلًا من مصروفها لشراء "المرتديلا" لقطهم المدلل، تقول وعد لـ "آخر قصة"، "نحبه كثيرًا، ربيناه منذ كان صغيرًا، وأصبح مسؤوليتنا فحتى إذا لم أحمل مصروفًا أحاول تدبير طعامه بأي طريقة".

ويغدق بعض أصدقاء وعد ممن يواضبون على شراء المنظفات، بعض وجبات الطعام الشهية التي تسدّ فيها رمقها واخوتها، ولابد أن تجد القطة أول المتقدمين إلى الطعام دون إزعاج أصحابها؛ لعدم قدرتهم الدائمة على شراء طعام مرتفع الثمن؛ إذ أنَّ متوسط حصيلة ما يجمعوه خلال عملهم 15 شيكلاً يوميًا أيّ ما يعادل 4 دولارات أمريكية.

ويتحمل الأطفال مسؤولية توفير الدخل للأسرة، على الرغم من أن والدتهم تحمل شهادة جامعية لكن مرضها يمنعها من العمل، فيُترك هؤلاء الصغار لمواجهة خطر عمالة الأطفال في الأماكن العامة، وغيرهم الكثير ممن يبيعون المناديل على إشارات المرور أو أرصفة الشوارع، إذ بلغت نسبة عمالة الأطفال في قطاع غزة %0.9، من أصل نحو 413 ألف طفل تفاوتت أعمارهم ما بين (10-17 عام).

فيما يحظر القانون الفلسطيني في المادة 14 من قانون الطفل الفلسطيني، والمادة 93 من قانون العمل الفلسطيني تشغيل الأطفال دون سن الخامسة عشر، ويسمح بعمل الأطفال في سن 15-17 عامًا بشروط معينة، منها ألا تكون هذه الأعمال خطرة، وأن تكون ساعات العمل قصيرة، ويتوفر كشف طبي للأطفال كل 6 أشهر.

عمل وعد وأخويّها الذي قد لا يكون خطِرًا وفق ما يُشير إليه القانون، إلا أنّه أرهق مسؤوليتها المُضاعفة تجاه البيت والدراسة، تقول والدتها: "وعد ذكية وهي تقتطع الوقت في عملها ببيع مواد التنظيف لتؤدي واجباتها المدرسية وتُعلِم أخيها الأصغر، كما تحفظ القرآن خلال جلوسها الطويل في الشارع، وغالبًا ما ترونها تحمل كتابها أو تراجع ما حفظته".

تحلم وعد أن يصبح لديها مكان كبير خاص برعاية القطط وتربيتها مستقبلًا، بينما هي لا تعرف شيئًا عن طعام القطط الخاص والمُعلب ولا عن شهاداتِ تطعيمهم أو ما يحتاجونه من زياراتٍ دورية للطبيبِ البيطري لكنها تعرفُ الحبّ الفطري لقطتها وأنّها رفيقتها في رحلةِ عملها اليومية ودراستها وجُلّ حياتها فتُغدق عليها حبًا واهتمامًا ورعايةً غير مكترثة لمصروفها الذي تهديه لقطتها إيثارًا وعطفًا.