غزة: مرضى البهاق يُكابدون الأذى النفسي والمجتمعي

غزة: مرضى البهاق يُكابدون الأذى النفسي والمجتمعي

"أبو الألوان" هذا اللقب الذي أصبح ملازمًا للطالب أحمد سرحان (8 سنوات)، وينعته به زملائه بعدما أُصيب بمرض البهاق؛ محاولين عدم الاختلاط به خشيةَ العدوى، فيما يُعاني الصغير ظروفًا نفسيةً سيئة بسببِ ذلك؛ أدت إلى تدني تحصيله الدراسي.

ويُعرَّف البهاق بأنَّه مرض يتسبب بظهور بقع يفقد فيها الجلد لونه، فعادة ما يزيد حجم هذه البقع وانتشارها مع الوقت؛ وهو يحدث بسبب موت الخلايا التي تُنتِج الميلانين أو توقفها عن أداءِ وظيفتها.

على إثرِ إصابة سرحان بمرض البهاق فإنّه كثيرًا ما عاد من المدرسة باكيًا لوالدته التي لاحظت زيادة تذمره من المدرسة، تقول "ظَهَر تَغيُّر على لون بشرة أحمد في سنّ الخامسة بعد قصفٍ إسرائيلي لمنزل جيراننا".

تردف في حديثٍ لـ "آخر قصّة"، "عندما بدأ المرض بالظهور في أجزاء جسده، كان فوق العينين وأسفل الشفتين، ثم انتشر سريعًا في أنحاء أخرى مختلفة".

ورغم أنّ البهاق مرضٌ غير مُعدي، وفق مختصون، إلا أنَّ والدة أحمد تشير لمعاناته من تنمر وسخرية زملائه في الفصل ورفضهم الجلوس بجانبه؛ ما تسبب له بعزلةٍ دائمة إذ يرفض الخروج في الأماكن العامة مُفضلًا المكوث في البيت معظم الوقت.

يمارس المجتمع ضغوطًا نفسيًا على هذا الطفل رغم أن قانون الطفل الفلسطيني يحفظ له حقه في التمتع بحقوقه كاملة دون تمييز، وفق القانون رقم (7) لسنة 2004.

ونصّت المادة (3) فيه على أن "يتمتع كل طفل بكافة الحقوق الواردة في هذا القانون دون تمييز بسبب جنسه أو لونه أو جنسيته أو دينه أو لغته أو أصله القومي أو الديني أو الاجتماعي أو ثروته أو إعاقته أو مولده أو والديه، أو أي نوع آخر من أنواع التمييز".

وقد حاولت والدته معالجته من خلال عرضه على أكثر من عيادة جلدية حكومية لكنها كانت تصطدم دائمًا بشُح الأدوية المتاحة فيها وتكاليفها الباهظة، تقول: "علاج أحمد يستمر منذ ثلاثة أعوام ومشوار علاج أحمد إلى اليوم، في كل مرة أذهب لطبيب جلدية يكتب قائمة طويلة من العلاجات فأدور على الصيدليات لتوفيره لأنه لا يوجد إلا في أماكن محددة".

أما عن مدى انتشار مرض البهاق، فإنّ الطبيب المختص في الأمراض الجلدية رائد أبو سرية، يقول إنّه لا يوجد إحصاءات حول انتشاره في فلسطين أو قطاعِ غزة، لكن عالميًا يتراوح متوسط انتشاره بين 0.5% إلى 2% من سكان العالم، ويُقدّر العدد الإجمالي للأشخاص الذين يعانون البهاق بحوالي 65 - 95 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.

يُقدِّر أبو سرية أسباب هذا المرض التي تُعد نفسية بالدرجةِ الأولى، مشيرًا إلى أن البهاق يحدث فجأة بسببِ ضعف الجهاز المناعي أو التعرُّض لصدمة أو عوامل نفسيّة أخرى، وذلك ما حدث تمامًا مع رؤيا أبو عامر (21 عامًا) التي أصيبت به بعد صدمة وفاة أخيها.

نتيجةً لهذه لصدمة وفاة أخيها التي تعرضت لها رؤيا قبل نحوِ ثمانية أعوام، اضطرت أن توقف تعليمها الدراسي هربًا من نظرات الناس وتنمر زميلاتها عليها، تقول: "انتقلت من مدرسة لمدرسة وكان السؤال الذي يؤذي قلبي هو لماذا وجهك فيه بقع بيضاء؟"

لذلك، فضّلت أبو عامر العزلة وتحمل الهمز واللمز بين الحينِ والآخر، إضافة إلى الأسئلة الفضولية التي يُقحمونها في خصوصياتها، ونظرات الشفقة والاشمئزاز التي تعطيها شعور أنّها منبوذة، خاصّة في ظلّ عدم قدرة عائلتها على علاجها نتيجة ظروفهم الاقتصادية الصعبة، إذ أنَّ والدها لا يعمل وحاله حال الكثير في قطاعِ غزة فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل 378 ألفًا في الربع الأول من 2022؛ بواقع 244 ألف في قطاع غزة، و134 ألف في الضفة الغربية، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وتتوسط تكلفة علاج مرض البهاق في قطاعِ غزة المئتي شيكل شهريًا، وذلك بحسب درجته ومدى انتشاره في جسم المريض، فيما تتنوع الطرق العلاجية ما بين مراهم وإبر وعلاجات موضعية أخرى، وفق أبو سرية، الذي أفاد بأنّها متوفرة صيدليات محدودة لقلّة الطلب عليها.

وحول سؤالنا إذا كان هناك علاج نهائي وتام للمرض، قال لـ "آخر قصة": "من الممكن أيّضًا انتزاع الخلايا المُصابة وزرع خلايا سليمة ولكنها باهظة الثمن، كما تتوقف نسبة نجاح العلاج على عمر المريض وصحته النفسية ومدة ظهور المرض على جسم المُصاب".

والبهاق مرض غير مُعدٍ ولا يُهدِد حياة المريض لكنه قد يسببه له التوتر ويجعله يرى نفسه بصورةٍ سلبية، بحسبِ أبو سرية، الذي اتفقت معه المختصة النفسية نهى الشنطي، فقالت، "من الضروري جدًا توفر الدعم النفسي لمرضى البهاق باستمرار في محيطهم الخاص لتعزيز ثقتهم بنفسهم".

كما أنَّ محاولة دمج هذه الفئة من المرضى مع الآخرين بطرق عديدة وتوعيتهم بأسبابِ مرضهم وأنّهم ليسوا فئة منبوذة؛ بل جزءًا لا يتجزأ من هذا المجتمع، ستعمل على تحسين ظروفهم النفسية شيئًا فشيئًا، وفق الشنطي، التي دعت إلى وقف التنمر على هؤلاء المرضى وتقبل اختلافهم.