حضور باهت للنساء في المراكز القيادية بالمؤسسات الأهلية

في الثامن من آذار

حضور باهت للنساء في المراكز القيادية بالمؤسسات الأهلية

لسنوات ظلّت المرأة تكافح على كافة الأصعدة لتجد لها حيزًا في صناعة القرار داخل المجتمع على مختلف المناحي وكان يصعب في بعضها كتقلّدها مناصب سياسية عليا؛ لذلك سعت لكسب الرهان في مؤسسات المجتمع المدني التي تتقاطع مع الكثير من احتياجاتها ومتطلباتها في المجتمع، فهل تمكّنت من تحقيق طموحها؟

تُشير نسب وصول النساء في مجال الخدمة المدنية على مستويات صناعة القرار حسب دراسة أجراها ديوان الموظفين لعام 2017، إلى أنَّ نسبة النساء في تصنيف درجات الفئات العليا والأولى لفئات حسب القانون جاءت في الفئة العليا %11 مقابل %89 للذكور، بينما في الفئة الثانية تزيد لما نسبته %48 أنثى مقابل %52 ذكرا.

ويرى مختصون في مجال شؤون وحقوق المرأة بقطاع غزة، أنّ وجود المرأة في مؤسسات المجتمع المدني ما يزال محدودًا وغير متكافئ مع الرجل خاصّة في المراكز العليا التي لم تزل بعيدة عن حضور النساء.

تعتقد فداء جبر (اسم مستعار) أنّ حلمها في إضافة لاحقة مسمى نقيب/ـة الصيادلة لاسمها ما يزال بعيد المنال، وتقول لـ "آخر قصّة"، "منذ كنت طالبة على مقاعد الدراسة وأنا أحلم بتمثيل زملائي الصيادلة للمطالبة بحقوقنا وأقلّها إنشاء مصنع للأدوية في غزة يُناسب ما ندرسه نظريًا خلال 5 سنوات من الدراسة".

تردف الصيدلانية جبر (34 عامًا)، "لا يقف الأمر عند حاجات عامة في مجتمع الصيادلة ذكورًا وإناثًا لكنه أيضًا يتجاوز ذلك إلى متطلبات المرأة الصيدلانية فكيف لمراكز عليا يشغلها رجالا أن تتفهم التحديات التي تواجهها كالاحتياج للمزيد من احترام خصوصيتها في ظلّ عملها داخل الصيدليات التي توجد غالبًا في أماكن عامة".

يتقاطع ما تشير إليه جبر، مع ما قالته نور فؤاد (اسم مستعار) التي اضطرت لترك العمل في مجال المحاماة بعدما وجدت نفسها غير قادرة على تحقيق جزء كبير من رغبات وحاجات النساء اللواتي كانت تُرافع عن قضاياهم في المحاكم، وذلك بفعل انحياز القانون في بعض مواده للرجل، وفق قولها.

وتقول المحامية المتعطلة عن العمل نور لـ "آخر قصة"، "لدينا الكثير من المشكلات في قوانين الأحوال الشخصية والميراث وما يتعلق بالمرأة على وجه الخصوص وهذه القضايا بحاجة لتقلّد المرأة المحامية مراكز مرموقة في مجالها لأنها وحدها الأقدر على فهم احتياجات النساء أنفسهن والمطالبة بحقوقهن".

وتجزم السيدتان بأنّ المجتمع بكل أطيافه شريك في إضعاف مشاركة المرأة في المراكز العليا ووصول صوتها لأماكن أكثر قدرة على صنع القرار، بسبب نظرته النمطية السائدة حول المرأة ودورها الذي يتم تحجيمه في شغل مراكز محدودة مجتمعيًا تتركز في قطاعات معينة بينما ينكر عليها تقلّد مناصب قيادية حتى لو كانت تتقاطع مع طبيعة مستواها التعليمي.

قد يتوافق ما تقدمت به فداء ونور مع ما تُشير إليه نسب أخرى توصلت إليها دراسة أجراها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي حول العاملين في مجال الخدمة المدنية، أفضت إلى أنّ هذا القطاع يشغل ما يُقارب 85 ألف موظفًا؛ إلا أنّ نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب عليا ما تزال متدنية فقد بلغت في الفئة الوظيفية العليا 6.9% في قطاع غزة.

ويُلاحظ على الفور ارتفاع نسبة النساء في الفئة الوظيفية الأولى إذ تصل إلى ثلاثة أضعاف نسبتهم في شغل المراكز العليا وتبلغ ما نسبته 18.8%. يأتي ذلك على الرغم من أن نسبة الإناث العاملات في المجال تصل إلى 45% مقابل 55% من الذكور، وتتركز في قطاعات الصحة والتربية والتعليم وهو ما يُشير إلى تكريس الأفكار والأدوار النمطية للنساء في الثقافة التقليدية السائدة.

أمام هذه النسب يقفز سؤال مفاده ما الأسباب التي تحول دون تولي النساء مراكز عليا في مؤسسات المجتمع المدني؟ وترجع منسقة وحدة الرصد والأبحاث في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) هداية شمعون الأمر إلى ما أسمته بخارطة الثقافة المجتمعية في فلسطين.

وقالت شمعون في حديثٍ لـ "آخر قصة"، إنّ أحدث الدراسات أظهرت مشاركة النساء في مجالس الإدارة بمؤسسات المجتمع المدني تبلغ ما نسبته 24.6%، أما نسبة حصولهن على موقع رئيس مجلس إدارة 4.9% مقابل 95% للرجال.

وتفسر ذلك بأنّ القائمين على هذه المؤسسات هم أبناء البيئة المجتمعية الذين يترجمون ثقافة حصر النساء في إطار الوجود الشكلي، باستثناء بعض المؤسسات التي تترأس مجالس إدارتها النساء، وفق قولها، كما ترى أنّ أحد الأسباب يعود إلى كون المناصب العليا وفق الامتداد الثقافي والفكري للمجتمع تُناسب الرجل أكثر من المرأة.

يعود ضعف حضور المرأة في مراكز متقدمة وفق شمعون، إلى اعتبار أن المناصب العليا تتطلب حركة سفر وتنقلات وتعامل مباشر مع المنظمات والمؤسسات الحكومية التي يُفضل المجتمع إبعاد المرأة عنها وحصرها في الدور الإنتاجي والإنجاب والاكتفاء بوجودها في بعض المناصب الأقل من أن تصل لمراكز صنع القرار.

الامتداد الثقافي والفكري الذي تحدثت عنه شمعون، لا يزال حاضراً، على الرغم من أنّ القانون الفلسطيني لم يحصر المرأة في مستويات وظيفية معينة، وفق ما أفادت به المحامية ملاك السكني، وقالت لـ "آخر قصة"، "لم يمنع القانون تقلّد المرأة المناصب العليا، ومراكز صنع القرار، فقانون العمل الفلسطيني لم يحدد جنس من يشغل المناصب، وهذا بحد ذاته يدلل على تكافؤ الفرص الوظيفية بغض النظر عن الجنس، لكن الخلل يكمن بالاستخدام غير التمييزي وغير العادل لتلك القوانين ضمن المؤسسات وجهات العمل".

ورغم التعديلات التي جرت على القوانين الخاصة بتنظيم عمل الخدمة المدنية الفلسطينية وفق قانون رقم 23 لعام 2005 وإصدار لائحة تنفيذية للقانون، أصبح ديوان الموظفين العام بمثابة المرجعية القانونية التي تُحدد صلاحيات عمل الخدمة المدنية وتؤطرها بما يحمي حقوق العاملين في هذا المجال ويحفظ تكافؤ الفرص، إلا أنّه ما يزال قطاع الخدمة المدنية يعاني فجوات واضحة فيما يتعلق بالمساواة على أساس النوع الاجتماعي.

وبالعودة إلى هداية شمعون التي ترى أنّ هناك أبجديات أساسية تفتح الفرص للنساء وتصقل شخصياتهن ليصبحوا قادرات على حمل رسالة النساء وتزيد لديهن الوعي بحقوقهن والتحديات التي عليهن اجتيازها، إلا وهي التعليم والتوعية الثقافية والسياسية وكذلك ثقافة التطوع والانخراط في المبادرات؛ مما يساعدهن في إثبات وجودهن في كل منصب وموقع.

وتبقى جهود النساء نحو تحسين أوضاعهم والسعي الحثيث لنيل مكانة تليق بهن، هي الطريق الوحيد لنيل المرأة حقوقها والحصول على ما تستحقه في كافة المجالات والمراكز.