مَن سرق فرحة العيد من المناطق المهمشة؟

حين يعتبر الكعك ترفاً

مَن سرق فرحة العيد من المناطق المهمشة؟

قد تشتم رائحة الطعام قُبيل آذان المغرب تفوح من بعض منازل الفقر في أحياء متفرقة من قطاع غزة، والتي رزقت قوت يومها، لكنك قد لا تشم رائحة الكعك الذي يمثل تقليدا أساسيا في عرف العائلات الفلسطينية قبيل عيد الفطر.

تمرّ هذه الأيام ثقيلة على سكان بعض المناطق المهمشة التي يُقدّر عددها بـ 28 عشوائية سكنيّة في قطاع غزة، حيث تغيب عنها رائحة الكعك والحلوى وتنبعث منها رائحة الرطوبة والزهد. فيما تزدحم أسواق القطاع بين المتسوقين لشراء كسوة العيد والمنكبين على ابتياع مكونات الكعك والمعمول. 

ويُعاني سكان العشوائيات الأمرّين نتيجة شح الإمكانات وانعدام فرص العمل، وإنعكاس ذلك على أسرهم، لاسيما مع تزايد متطلبات شهر رمضان واقتراب عيد الفطر. 

وكانت قد لجأت إلى تلك المناطق المئات من الأسر التي لم تقوَ على العيش في المدن وتحمل تكاليفها الباهظة من إيجارات وخدمات، واليوم جلّ تفكيرهم ينحصر في كيفية إطعام أطفالهم الصائمين فيما تبقى من أيام رمضان وكيف سيكسونهم قبل شروق شمس العيد؟

في القرية البدوية شمالِ قطاع غزة، تقطن السيدة أم عامر وهي أمٌ ثلاثينية تعيش مع أسرتها المكونة من خمسة أفراد، وتنشغل كغيرها من العائلات بتثبيت ألواح الزينكو التي تُمثِل أسقفًا لمنازلهم بعدما اهتزت وطار بعضها بفعل الرياح الشديدة التي مرّت قبل أيام.

وقد بدا سؤالاً غير منطقيًا عن استعدادهم لعيد الفطر المرتقب قدومه خلال اليومين القادمين، فقالت، "الوضع صعب جدًا وهمنا الوحيد كل يوم هو من أين نطعم أولادنا، وبالطبع لا نستطيع صنع كعك العيد فهو مكلف جدًا بالنسبة لعائلة ليس لها مصدر دخل".

يعتمد بعض سكان القرية في توفير إفطار رمضان على ما تجود به أيادي الخير من المؤسسات والأفراد الذين يقدمون إليهم أطباق الأرز مع قطع اللحم أو الدجاج خلال رمضان، كما يجودون بمساعدات إغاثية تموينية للبيت.

تقول السيدة أم عامر في حديثها لـ "آخر قصّة"، "نحاول تدبير أمورنا من المساعدات التي تصلنا من أهل الخير وأزواجنا لا يملكون وظائف ولا نحن النساء، والكثير من أبنائنا يعانون سوء التغذية ونقص الفيتامينات والمعادن".

تمضي الليالي التي تسبق قدوم العيد قاسية على سكان القرية والأمهات اللواتي يسعين لتوفير كِسوة جديدة لأطفالهم وإدخال السرور على قلوبهم دون حيلة، وهم الذين لا يكسونهم سوا من العيد إلى العيد، حسب تعبيرِ أم عامر.

تُردف الأم الثلاثينية، "وفرت لي إحدى المؤسسات الخيرية قسيمة شرائية بقيمة مئة شيكل لكسوة أحد أبنائي لكني استطعت شراء ثلاث قطع فيها لأبنائي بثمنٍ رخيص وبقيت ابنتي ذات العشر أعوام لعلّ الله يرزقنا وأشتري لها لباسا جديدا".

ومن شمال قطاع غزة إلى جنوبه، تحديدًا غرب مدينة خانيونس حيث منطقة "نهر البارد" التي يقطنها 110 عائلة، تعيش جميعها تحت خط الفقر المدقع، وهم جزء من 33% من مجمل الأسر التي تعاني فقرا مدقعاً وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

تقول السيدة الخمسينية أم يوسف وهي إحدى الأمهات اللواتي تقطن "نهر البارد"، "كل العائلات هنا تعتمد على مساعدات المؤسسات وتنتظر قدوم أيّ منها وكأنّه الفرج المنتظر، كما يضطر عددٍ منهم للتسول ليعيش هو وأولاده".

لا تفكر هذه السيدة التي تُعيل خمسة من الأبناء والبنات، في العيد وطقوسه ومباهجه، فهي منشغلة بتوفير احتياجات بناتها الجامعيات اللاتي يعد تعليمهن سلوكا غريبًا على أبناء الحي الذين يكابدون تعقيدات العيش ومتطلبات الحياة اليومية.

وقد بدا الأمر أكثر وضوحاً عندما أفصحت أم يوسف عن أنّها هي نفسها خريجة من قسم اللغة العربية، وتعمل هي وبناتها الثلاث على تقديم دروس خصوصية للطلبة بمقابل أسعار رمزية.

تتنهد أم يوسف وهي تواصل حديثها لـ "آخر قصة"، "كل همي هو أن تُكمِل البنات دراستهم الجامعية ويحصلوا على الشهادات التي أنتظر أن يأتي بعدها الخير ويتغير حالنا إلى الأفضل فزوجي يعاني من إعاقة في يده ولا يعمل، واخوانهم الذكور لم يُحصّلوا على أيّة فرص عمل بعد".

تعتمد السيدة على المؤسسات الخيرية التي تقدم مساعدات للأسر في منطقة سكنها، وعنها تقول، "يوجد نسبة كبيرة من الأطفال هنا لذلك لا تستطيع المؤسسات أن تغطي كافة احتياجاتهم، فتوفر مثلا كسوة عيد لطفل أو اثنين فقط من كل أسرة".

وفي الإجابة عن سؤال: ماذا عن بقية الأطفال في العائلة الواحدة؟ أوضحت "أم يوسف" أنّ المؤسسات تعتذر عن توفير كسوة لجميع أفراد الأسر في هذا الحي الفقير، الأمر الذي يضطر بعض الأسر للجوء إلى التسول، أو اقتناء الألبسة من أسواق البالة، بينما الغالبية لا يملكون فعل أي مما سبق ويمر يوم العيد عليهم كباقي الأيام. 

في الوقت الذي يصبح فيه السؤال عن الكعك وحلوى العيد في مثل هذه الأحياء، ضرب من الترف!، لابد من السؤال، عن دور القانون الفلسطيني تجاه القضاء على الفقر؟. 

ويتضح أنّه كان قد صدر قرارًا عن مجلس الوزراء رقم (18) لسنة 2005م بتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفقر، وأناط القرار بهذه الهيئة التي تضمّ قطاعًا واسعًا من المؤسسات الرسمية والأهلية، الإشراف على وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط الوطنية والقطاعية والمناطقية الهادفة إلى مكافحة الفقر، والعمل على التأكد من حشد ومُلاءمة توزيع الموارد بما يتلاءم مع سياسات وخطط مكافحة الفقر، ومراقبة تنفيذ الخطط التنموية الوطنية.

غير أنَّ شيء من ذلك لم يُسمع له أثرًا على أرض الواقع، بدليل أنّ مستوى الفقر في قطاع غزة يزيد عن 50%. فيما أن أكثر من 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية. 

أمام هذا الواقع توجهت "آخر قصّة" إلى وزارة التنمية الاجتماعية، للتعرف عن الجهود المبذولة تجاه مساندة الأسر الأشدّ فقرًا في قطاع غزة لاسيما قُبيل عيد الفطر، وقد أفاد مصدر مُطلع في الوزارة بأنّهم لا يزالون يبحثون مع الأطراف المعنية من أجل توفير كسوة عيد للأسر الأشدّ احتياجًا في قطاع غزة. مع العلم أنَّ جهود وزارة التنمية الاجتماعية لم تُفضي إلى نتيجة، حتى نشر هذا التقرير.