اعتاد الحجاج الفلسطينيون أن يعودوا مصحوبين بالهدايا المتنوعة من زيارتهم الإيمانية لمكة المكرمة والمدينة المنورة بعد أداء فريضة الحج، ويقدمونها للضيوف الذين يهنئونهم بالسلامة، إذ تعد طقسًا مهماً ويُنظر إليها على أنها جزء أساسي من طقوس استقبال الزوار.
وبالنظر إلى واقع قطاع غزة الذي يعاني فيه ما يزيد عن نصف السكان من الفقر المدقع وفقًا لإحصاءات رسمية وحقوقية؛ فإنَّ العديد من الحجاج يضطرون للاستدانة لتوفير تلك المتطلبات من هدايا وخلافه.
وتعد تكلفة أداء فريضة الحج بالنسبة للحجاج الفلسطينيين من قطاع غزة، هي الأعلى مقارنة بغيرها من الدول، إذ بلغت (3360) دينارا أردنيا أيّ نحو (4700) دولار أمريكي. وقد أدى ما يزيد عن 2500 مواطن من قطاع غزة مناسك الحج لهذا العام، وذلك بحسبِ تصريحٍ من مدير عام الحج والعمرة في وزارة الأوقاف بقطاع غزة عادل صالحة.
فتحي صلاح (58 عامًا) حاج من غزة، تحدث عن تجربته في تحضير الهدايا للزوار، يقول فتحي: "اعتدنا من الصغر على زيارة الحجاج القادمين من مكة المكرمة وتلقي الهدايا منهم، فأصبح الأمر طقسًا أساسيًا. وهو ليس فقط لإظهار الكرم والترحيب بالضيوف، ولكن أيضًا تعبيرًا عن السعادة بأداء الحج وتقويةً للأواصر الاجتماعية".
يشير الحاج فتحي إلى أن هدايا الحجاج تشمل العديد من المنتجات المتعلقة بالصلاة والعبادة، منها سجادة الصلاة، والمسبحة، والمِسواك، بالإضافة إلى عطور صغيرة كالمسك وغيرها، كما يقدمون إلى الأطفال الخواتم والأساور من الإكسسوارات الجميلة والمحببة، وتُعبِر جميع الهدايا عن رمزية الحج وأهميته.
ونتيجةً للظروف الاقتصادية المتردية لسكان قطاع غزة، فقد اعتاد الحجاج في السنوات الأخيرة على تحضير هذه الهدايا وابتياع جزء كبير منها من داخل قطاع غزة الذي تتوفر فيه بجودةٍ عالية وأسعار مناسبة.
سامية عطا (55 عامًا) حاجة أخرى، قالت إنهم يواجهون تحديات مالية جمّة لتوفير هذه الهدايا، أردفت: "اضطررت للاستدانة لتلبية متطلبات استقبال الزوار المهنئين. ومع ذلك، فإنه يصعب علينا الاستغناء عن هذه العادات فنحن نقدم الهدايا بروح المحبة والترحيب".
وبلا شك تُظهِر هذه الطقوس ثقافة المجتمع وتحمل رمزية خاصّة في قلوب الناس وتعزز التواصل والتلاحم بينهم، على الرغم من التحديات المالية التي تعكس الحاجة للدعم والمساندة، ولكن كيف يُنظر لهذه الهدايا من ناحية شرعية؟
يُجيب رئيس لجنة الإفتاء بالجامعة الإسلامية بغزة ماهر السوسي، على أنّ هدايا الحاج هي عادة مجتمعية قديمة وليست وليدة الحياة المعاصرة؛ لكنها تتطور مع تطور الواقع وظروف الحياة بأشكال وألوان متعددة.
وقال السوسي لـ "آخر قصّة" إن هدايا الحجاج هي عادة وليست عبادة، فالمشرع عندما فرض الحج لم يفرض الهدية، وهي محكومة بأعراف الناس وعاداتهم ورؤيتهم لأنواعها، لذلك تبقى متروكة لظروفهم وإمكانياتهم.
أما عن اهتمام الناس بهذه العادة بقدرٍ يوازي اهتمامهم بأداء فريضة الحج نفسها؛ الأمر الذي يُمثل انحراف في المقارنة في العلاقة بين الحج وهدية الحاج حتى أصبح يُنظَر إليها على أنها متلازمة لا تنفك على الرغم من أنها ليست كذلك، وفقًا للسوسي.
ولم ينهى المُشرِع الإسلامي عن الهدية فهي مباحة في الأصل، بحسبِ السوسي، إضافة إلى أنّها تزيد من بهجة الحاج وسعادته بأدائه لفريضة قد تتعذر على الكثيرين وسرور أهله بعودته سالمًا غانمًا من رحلة شاقة.
وتبقى تلك الإباحة محصورة فيمن يتمكن من شراء الهدايا دون اضطراره للاستدانة أو عدم مقدرته من الإيفاء بدينه، كما أشار رئيس لجنة الإفتاء الذي قال إنّها رمز يدل على الفرح كلما بقي في إطار قدرات الناس.
لكن السوسي أشار إلى أنّ هدية الحاج تصبح محرمة عندما تتعلق بالأشخاص الأشدّ فقرًا، مبينًا أنّ هذه الفئة تتمثل فيمن لا يمتلكون ثمن الهدايا أو لا يستطيعون الاستدانة لأجل توفيرها نظرًا لعدم امتلاكهم أيّة مصادر دخل.
وقد امتنع بعض الناس عن أداءِ فريضة الحج لعدم امتلاكهم تكلفة هدايا الحج، وعقّب السوسي عن ذلك بقوله، "هذا الأمر من منظور ديني لا يجوز، إذ بالإمكان تقديم هدايا رمزية وبسيطة أو الاستغناء عن أداء هذه العادة تمامًا".
ونبّه أستاذ الشريعة الإسلامية إلى خطورة مجاوزة الحدّ في تقديم الحاج الهدايا للزوار بالإسراف والمبالغة بأكثر ما تقتضيه إمكانياته وظروفه، وذلك من أجل المباهاة والتفاخر، وهو ما يدخل في إطار الرياء فالإسراف في الأصل محرم شرعًا.
واختتم حديثه بالتحذير من ردود فعل المهنئين على الحاج الذي لا يستطيع تقديم الهدايا لهم، مشيرًا إلى منع الحرج عنه فلا يجوز لومه أو اغتيابه، وكذلك ضرورة تقدير ظروفه وأحواله ومساندته.