ينشغل العامل محمد جواد وهو فلسطيني من قطاع غزة، في حساب ما تبقى لديه من أموال ثمرة كدّه داخل الخط الأخضر، بعدما أغلق الاحتلال الإسرائيلي معبر بيت حانون (إيرز) شمال قطاع غزة، ومنع العمال من مزاولة عملهم.
ويخشى جواد استمرار هذا الإغلاق لأيامٍ أخرى، في ظلّ عدم وجود بدائل لعمله وزملائه داخل القطاع الذي يعاني تضخما في مستوى الفقر والبطالة، يقول، "الإغلاق جاء مفاجئًا، ونحن نخشى أن يستمر هذا الإغلاق لوقت أطول، لأننا لم ندخر شيئاً من إيراداتنا فجميعها تذهب لسداد الديون المتراكمة منذ سنوات، وليس لدينا ما نقتات عليه لفترات طويلة".
ومن الواضح أن هذا الإغلاق يؤثر بشكل مباشر على حياة العمال الذين يكدّون من أجل كسب قوت يومهم، في رحلة عمل يومية تمتد لنحو (15 ساعة). وبعضهم يضطرون إلى المبيت داخل الورش التي يعملون فيها لأجل توفير تكلفة الرحلة، أو أخذ قسط أطول من الراحة.
ويقول نقيب العمال الفلسطينيين سامي العمصي، إن هذا الإغلاق يؤثر على شكل حياة (20) ألف عامل فلسطيني يعملون في الداخل المحتل ويمنعون على مدار (5) أيام على التوالي من الدخول لمزاولة عملهم.
ويشير العمصي إلى أنّ إغلاق معبر بيت حانون يُكبد العمال خسائر تصل إلى (1.5) مليون شيكل يوميًا، وهي مبالغ طائلة في ظلّ ظروف استثنائية يعيشها القطاع، مبيناً أن الإغلاق سيُعيد العمال إلى مربع الفقر المدقع والبطالة، التي كانت تزيد نسبتهما في صفوفهم عن 50%.
وأغلق الاحتلال المعبر في أعقاب المظاهرات الأخيرة على الحدود الشرقية لقطاع غزة. وهو أمر يقول العمال إنه لا يجوز أن يستخدم كمبدأ للمساومة بمقابل قوت يومهم. وقد امتنع الكثير منهم الكشف عن هويته عبر وسائل الإعلام؛ تحسباً من فقدان عمله، أو مصادرة تصريح العمل أو التجارة.
فؤاد جميل (اسم مستعار) واحد من المصنفين كتجار والبالغ عددهم (2.301) يمتلكون تصريحًا ويسافرون عبر معبر بيت حانون بغرض التبادل التجاري مع الضفة الغربية، وقد تمكّن الرجل من الحصول على تصريحه بشق الأنفس في ديسمبر 2022، بعد شهور من الانتظار.
يجلس جميل اليوم في متجره الذي يعاني كساداً بفعل تراجع الحركة الشرائية في غزة وبخاصة بعد انتهاء المواسم، ويقول إنه ينتظر فتح المعبر بشغف كبير من أجل تعويض جزء من خسارته التي يتكبدها في ظلّ هذا الواقع الأليم.
ويعمل بعض الأشخاص ممن يحملون تصاريح تجار، في ورش وحرف داخل إسرائيل، قد لا تتناسب مع تصنيفاتهم، لكنهم يضطرون إليها بحكم العوز والضائقة المالية التي يعانون منها نتيجة للحصار المفروض على القطاع للعام السابع عشر على التوالي، ويُقيّد حركة التجارة.
وتفيد جهات حقوقية بأنّ إغلاق معبر بيت حانون دون مسوغٍ واضح هو أحد الانتهاكات التي يتعرض إليها المدنيون الفلسطينيون داخل قطاع غزة أفرادًا وعمالًا وتجارًا على حدٍ سواء، وهو ما يأتي في إطار العقاب الجماعي لسكان القطاع بالعموم في مخالفةٍ واضحة لما تنصّ عليه الاتفاقيات الدولية الرامية لحماية حقوق المدنيين.
بدوره، أوضح المختص الاقتصادي أحمد أبو قمر الآثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن هذا الإغلاق الذي منذ الجمعة ويستمر إلى أجلٍ غير مسمى، "إنّ العمل في الداخل المحتل يُشكّل رافدًا مهمًا من روافد الإيرادات لقطاع غزة في الشهور الأخيرة، وإنّ الاحتلال يُغلق بإغلاقه منفذًا أساسيًا لتنشيط حركة السوق" كما قال.
ويعاني السوق المحلي في قطاع غزة من ضعف في السيولة بشكلٍ كبير، فيما يزيد إغلاق معبر بيت حانون من حدّة هذه الأزمة، لأن ضخ الأموال الناتجة عن عمل العمال والتجار داخل الخط الأخضر يشكِّل أهمية كبيرة في تنشيط الحركة التجارية ورفع القدرة الشرائية لدى الناس عمومًا.
أما توقف ضخ هذه الأموال ومنع حركة الأفراد بإغلاق المعبر يؤدي إلى مشاكل اقتصادية كبيرة وخسائر تُقدّر بملايين الشواكل، بحسب أبو قمر، الذي أشار إلى أن هذه الخسائر موزعة ما بين رواتب عمال تدخل إلى السوق وتنشط حركة الشراء، وما بين تكلفة بضائع يبتاعها التجار الذين تضرروا بشدّة نتيجة الإغلاق.
كما يتسبب إغلاق معبر "إيرز" أمام العمال الفلسطينيين، في انعدام الحركة التجارية مع إسرائيل والضفة الغربية أيضًا، وفقًا لأبو قمر. وأفاد أن هذا الإغلاق يشلّ حركة التجار عمومًا لا سيما تجار الذهب الذين يتعاملون مع الاحتلال والضفة الغربية.
في ظلّ هذا الإغلاق وعدم إعلان الاحتلال حتى اللحظة عن قرب إعادة فتح المعبر الوحيد الذي يستخدم لحركة الأفراد بين قطاع غزة والضفة وإسرائيل، ستستمر معاناة العمال وهو ما ينعكس سلباً على حياة السكان عموماً.
إغلاق معبر بيت حانون (إيرز)