عن فاطمة والملاذ التعليمي لأطفال غزة  

داخل خيمة:

عن فاطمة والملاذ التعليمي لأطفال غزة  

وسط ضجيج النازحين في مواصي خانيونس، جنوب قطاع غزة المحاصر، حيث تتداخل أصوات انفجارات القصف مع صرخات الأطفال، تقف خيمة بسيطة تحمل بين طياتها حلمًا لم يقتله الحرب.

هنا، بين أكوام الركام والدخان المتصاعد والركض خلف مياه الشرب وكسرة الخبز، تحوّلت هذه الخيمة إلى فصل دراسي مؤقت، يقوده صوت امرأة واحدة رفضت أن يكون اليأس هو النهاية.

فاطمة الدلو (24 عامًا)، الصحفية والإعلامية السابقة، التي كانت تروي حكايات الغزّيين عبر أثير الإذاعة، قررت أن تكتب فصلًا جديدًا من القصّة بنفسها.

بعد أن دمّرت الحرب أكثر من 70% من مدارس القطاع وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، وترك 625,000 طالب دون مقاعد دراسية، لم تنتظر فاطمة حلول المعجزة. حملت لوحًا أبيض، وحزمة دفاتر  وجلست تحت الخيمة مع عشرات الأطفال الذين صاروا يرون فيها "معلّمة الأمل".

"لم أستطع أن أبقى مجرد شاهدة"، تقول فاطمة لمراسلة (آخر قصة) بينما يلوّح الأطفال حولها بملخصات مدرسية مكتوبة بخط اليد، "هؤلاء الأطفال فقدوا مدارسهم، لكن لا يجب أن يفقدوا مستقبلهم".

من خيمة إلى مدرسة.. كيف تحوّل الألم إلى أمل؟

بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومركز شؤون المرأة في غزة، تحوّلت المبادرة الفردية إلى مشروع تعليمي منظّم. وفرّ الداعمون القرطاسية، والخيم الإضافية، وحتى المقاعد البلاستيكية التي حلّت مكان الأرض الرملية. اليوم، يصل عدد المستفيدين إلى 120 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عامًا، يتناوبون على الحصص في ظروف بالغة الصعوبة، تشير فاطمة.

"بعضهم يأتي حافي القدمين، وآخرون يحملون دفاترهم القديمة المليئة بمسودات الحرب"، تصف فاطمة المشهد، "لكن بمجرد دخولهم الخيمة، يتحوّل الخوف إلى حماس. صاروا يهرولون إلى هنا كل صباح كأنهم ذاهبون إلى حديقة ألعاب!".

بحسب منظمة اليونيسف، فإن 9 من كل 10 أطفال في غزة يعانون من صدمات نفسية بسبب الحرب، بينما تحذّر منظمة "أنقذوا الأطفال" من أن جيلًا كاملًا معرّض لخطر التجهيل بسبب تعطل عجلة التعليم. ولهذا تُعدّ مبادرات مثل "وصلة أمل" شريان حياة بالنسبة لهؤلاء الأطفال وذويهم.

تقول أم محمد (32 عاماً) وهي أم لثلاثة أطفال، بينهم ابنها عانى صدمة نفسية بالغة بعد أن دُمّر منزله، "هذه الخيمة أنقذت ابني من الاكتئاب.. الآن، يعود كل يوم وهو يحكي عن دروسه وكأنه يمتلك ثروة".

بالنسبة لفاطمة، لم تكن المبادرة مجرد دروس تعليمية فقط، بل "ثورة صامتة" ضد اليأس. تقول: "هنا نعلّمهم العربية والرياضيات، لكن الأهم أن نعيد لهم الثقة بأن غدًا سيأتي مصحوباً بالأمل".

في زاوية من الخيمة، يرفع الطفل أحمد (10 أعوام) يده بسؤال عن جدول الضرب، بينما تدوّن الطفلة سارة (8 أعوام) أحلامها في دفتر زهري اللون. ربما لا تملك الخيمة أبوابًا من الحديد، ولا نوافذ زجاجية، لكنها صارت، كما يصفها أحد الأطفال، "المكان الوحيد الذي لا نسمع فيه صوت القصف.. لأن صوت المعلمة يغطي كل شيء!".