لم تكن ورود الدهشان، المدربة المتخصصة في تدريب الأشخاص على تحقيق الربح عبر الانترنت، تدرك أن الحرب الأخيرة على غزة ستصبح مفترقًا حاسمًا في مسار حياتها المهنية، لتجعل حلمها واقعًا مع تحقيق نجاح عالمي يشمل تنظيم ورش تدريبية في الخارج والتعاون مع مؤسسات دولية.
على الرغم من المعاناة الكبيرة التي عانتها خلال الحرب، حيث أصيبت ورود ثلاث مرات متتالية بين أكتوبر 2023 وفبراير 2024، مما أدى إلى انقطاعها عن عملها لمدة خمسة أشهر، فضلاً عن ارتقاء شقيقها الأكبر، إلا أن شغفها وإصرارها على المضي قدمًا في مسيرتها المهنية لم يتوقفا.
ورود، البالغة من العمر 23 عامًا، خسرت شركتها الخاصّة، ومنزل عائلتها الواقع في حي الصبرة جنوب مدينة غزة بعد قصفهما من الطيران الإسرائيلي خلال الحرب. تقول في حديثها لـ "آخر قصة": "بدأت العمل عبر الإنترنت منذ أن كنت في سن 16 عامًا، أيّ قبل حوالي 8 سنوات".
تُردف الفتاة ضاحكة: "كان أول مبلغ حصلت عليه 50 دولارًا، (ما يُعادل في حينه 160 شيكلًا)، كانت سعادتي كبيرة ولم أصدق فعليًا أنني حصلت على هذا المبلغ رغم بساطته. وبعد ذلك بدأت أتطور من خلال التعلم الذاتي والقراءة عن قصص نجاح لمؤثرين نجحوا في تأسيس شركاتهم عبر الإنترنت."
بعد أربع سنوات من العمل، اكتشفت ورود عالم التفاعل على الإنترنت، ثم نقلت تجربتها الناجحة إلى الآخرين من خلال تأسيس دورات تدريبية خاصّة بها، خرجت منها أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة، حسب تأكيدها.
بقيت ورود في شمال قطاع غزة الذي تعرّضت بنيته التحتية لدمار هائل فواجهت صعوبة كبيرة في العودة للعمل خلال الفترة الماضية، تروي قائلة: "كنت أقطع مسافات طويلة لأتمكن من الاتصال بشبكة الإنترنت، مع العلم أن العودة للعمل مصحوبة بالخوف الدائم من التعرُّض لخطر القصف الإسرائيلي الذي قد يطال أي مكان".
في خضم التوتر ورغم أصوات الانفجارات المتواصلة، كان شغف ورود بالعمل يزداد ويدفعها لتحدي الصعاب والمخاطر من أجل التقدم نحو الحلم؛ متمسكة بمبدأ أنّ المثابرة في العمل والتركيز على الهدف سيؤديان إلى تعزيز مكانتها ورفع اسمها في المجال.
لم تكن قصة ورود الدهشان مجرد حالة فردية تعكس إصرارًا شخصيًا على النجاح؛ بل كانت أيضًا نموذجًا لمعاناة العديد من النساء في قطاع غزة اللواتي يحاولن تحقيق أحلامهن رغم الظروف القاسية. فكما واجهت ورود تحدّيات الحرب وفقدان منزلها وشركتها، تعاني آلاف النساء في القطاع من تدهور الوضع الاقتصادي الذي أثر بشكلٍ كبير على مشاريعهن الصغيرة ومصادر رزقهن.
ووفقًا لتقديرات مراكز نسوية، فإن الحرب الإسرائيلية أدّت إلى تراجع كبير في الوضع الاقتصادي للنساء، مما يتطلب دعمًا عاجلًا لتمكينهن وإعادة بناء ما دمّرته الحرب. وفي هذا السياق، يؤكد المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أن النساء في غزة، مثل ورود، يواجهن تحديّاتٍ مضاعفة بسبب التهميش المجتمعي والاقتصادي، مشيرًا إلى أنّ الحرب قضت على جزء كبير من المشاريع النسوية التي كانت تُشكِّل مصدر أمل للعديد من الأسر.
وأشار أبو قمر إلى أن هذه الفئات الهشة لم تأخذ حقها في التعويض عن الضرر الذي لحق بها خلال الحروب السابقة، أو حتى في القطاعات الاقتصادية الأخرى، مؤكّدًا أنَّ التعويض هو جزء مهم من عملية النهوض بالقطاعات الاقتصادية. كما شدد على ضرورة تفعيل حملة إغاثية طارئة للسيدات اللواتي خسرن مشاريعهن.
بالعودة إلى ورود التي على الرغم من جميع التحدّيات القاسية التي تواجهها خلال الحرب وكذلك جملة التحدّيات الاقتصادية والتقنية التي يعاني منها جميع سكان قطاع غزة؛ إلا أنّها استطاعت العودة للعمل بجدارة، إذ بدأت في التعاون مع شركات خارج القطاع مثل شركة "سهام" التي تضم ّ21 فرعًا حول العالم، وأخرى في الإمارات. كما تعاونت مع عدّة محال تجارية في مختلف مناطق العالم، بالإضافة إلى العمل مع أجانب من الولايات المتحدة وروسيا.
قبل اندلاع الحرب، كانت الدهشان قد بدأت التحضير للعمل مع جامعة الإسراء كمحاضر جامعي، وكذلك مع الجامعة الإسلامية بغزة في دائرة التعليم المستمر؛ غير أن الحرب حالَت دون تحقيق هذا الهدف.
لكنّ ذلك لم يمنعها عن الاستمرار في المجال التعليمي والتدريب، فتعمل حاليًا على تدريب مجموعات من الطلبة على كيفية جني الأرباح عبر الإنترنت بالرغم من الصعوبات المرتبطة بتوفر الإنترنت في بعض مناطق القطاع ومحدودية الطاقة الكهربائية وبدائلها.
وحول استفسارٍ عن أهمّ خطوات النجاح في العمل عبر الإنترنت؟ أجابت: "إلى جانب امتلاك الشخص لهاتف خلوي واتصال بالإنترنت، يجب أن يكون لديه إيمان بفكرة العمل التي ستؤتي ثمارها". فيما تعمل هي الآن على توجيه طلابها لتحقيق الأرباح، مشيرة إلى أن الكثير منهم قد حققوا بالفعل أرباحًا خلال الدورة أو بعدها؛ مما يعزز استمرارية عملها في هذا المجال.
تتجاوز ورود التحدّيات اللوجستية من عدم توفر الإنترنت والكهرباء باستمرار وتواصل عملها، الذي ترى فيه ثمرة سنوات من الجهد والتفاني يجب الحفاظ عليه لتحقيق ما تصبو إليه.
وعلى الرغم من سوداوية الواقع الحالي في قطاع غزة، إلا أنّ الدهشان تطمح بالتقدم في عمل شركتها وافتتاح فروع لها في عدة دول حول العالم، لتصبح رائدة في مجال العمل عبر الإنترنت وتكون منارة للمجتهدين والمثابرين ومصدر إلهام للنساء الذين يسعون لتحقيق ذواتهم بأنفسهم.
موضوعات ذات صلّة:
ناشطة نازحة: تمرن الفئات الهشة على تجاوز الصدمة
ناجون من الحرب يحاربون الصدمة بالقراءة
الشابة وروود الدهشان