في إحدى زوايا منزله المتضرر جزئيًا بفعل قصفٍ إسرائيلي وسط مدينة غزة، يجلس كريم ياسر أمام شاشة هاتفه القديم، يحاول جاهدًا تنزيل أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي بينما تنقطع شبكة الإنترنت للمرة الثالثة منذ الصباح.
"عندما يعود الإنترنت، سأستخدم ChatGPT لتحسين سيرتي الذاتية"، يقول ياسر، خريج كلية الهندسة الذي لم يجد عملاً منذ عامين إبان اندّلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. يُردف: "سمعت أنَّ بعض الشباب حصلوا على عمل عن بُعد بمساعدة هذه الأدوات، ربما تُثمر معي هذه الفرصة".
ياسر ليس الوحيد الذي يُحاول استغلال الذكاء الاصطناعي لشقّ طريقٍ في مدينةٍ محطمة واقتصادها هش. ففي غزة، حيث تصل البطالة بين الشباب إلى 80% وتتدمّر البنى التحتية يوميًا بفعل القصف المستمر، أصبحت الأدوات الرقمية مثل ChatGPT ملاذًا للكثيرين.
وتُمكنّ هذه التطبيقات الشباب في غزة الاستفادة من النصائح الأكاديمية والمهنية ومساعدات في إنجاز المهام اليومية، والتوجيه إلى وظائف عن بُعد، حيث أصبحت أداة أساسية للتعلم عن بُعد؛ مما يساعدهم في مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المستمرة.
قبل الحرب، كانت سماح جميل (27 عامًا) تعمل كمدرسة لغة إنجليزية في مدرسة خاصّة. أمّا اليوم تعطلّت عن العمل اضطرارًا وتحاول إيجاد فرص أخرى بالبحث عبر الفضاء الالكتروني، تقول: "أخلق فرصًا من العدم بمساعدة التطبيقات الذكية".
وتُردف جميل وهي تجلس على أرضية غرفة نزحت إليها في مركز إيواء غرب مدينة غزة، وتُحاول إصلاح سماعات رأس قديمة متصلة بهاتفها. "تعلمت من خلال Grammarly وUpwork كيفية إنشاء حساب على منصات العمل الحر".
تتابع بينما تظهر على شاشتها قائمة بمشاريع الترجمة المتاحة: "في الأسبوع الماضي، كسبت 50 دولارًا من ترجمة مقالات، يعتبر هذا انجاز عظيم في ظلّ متوسط معيشة وصل إلى دولارين في اليوم في هذه المدينة".
لكنّ العمل عبر الإنترنت في غزة ليس سهلًا. "الكهرباء غير متوفرة وبدائلها باهظة الثمن، والإنترنت متقطع غالبًا"، تضيف سماح بصوتٍ منهك: "أحيانًا أضطر للسير كيلومترات إلى مساحة عمل يُكلفني العمل فيها مبلغًا ليس بالهين، حيث يوجد اتصال أفضل، فقط لإرسال ملف عمل".
أما بالنسبة للشاب حسن محمد (22 عامًا)، طالب الطب الذي دُمرت جامعته، فقد أصبح يستخدم ChatGPT الذي يعمل عليه كبديلًا مؤقتًا إلى حدٍ ما عن التعليم النظامي.
"أستخدمه لشرح المواضيع الطبية المُعقدة، أو لترجمة الأبحاث الإنجليزية"، يقول وهو يعرض شاشة هاتفه حيث يحفظ العشرات من النصوص الطبيّة. "في الأسبوع الماضي، ساعدني في فهم موضوع كان سيتطلب منّي 3 أيام من مراجعة كتابٍ دسم".
ويعتمد محمد بشكل رئيسي على ChatGPT لشرح المواضيع المُعقدة والحصول على المساعدة في دراسته؛ مما يساعده على تجاوز التحدّيات الأكاديمية في ظلّ الأوضاع الحالية وصعوبة عودة التعليم الوجاهي.
على نحوٍ غير بعيد، حوّل أحمد إبراهيم (30 عامًا) غرفة صغيرة في منزله بحي الصبرة جنوب مدينة غزة، إلى مساحة عمل بدائية خاصة به. وبمساعدة Runway ML، وهو تطبيق يستخدم الذكاء الاصطناعي في إنشاء التصاميم والفيديوهات، أنشأ خدمة لتصميم الشعارات عبر الإنترنت.
"تعلمت كيفية استخدام Runway ML لتحسين التصاميم وتوسيع إمكانياتي التسويقية"، يقول إبراهيم بصوتٍ متحمّس بينما يعرض مجموعة من التصاميم التي أنشأها لشركات ناشئة في الوطن العربي. يتابع: "الآن لدي 5 عملاء شبه دائمين، أعرف أنّه عمل متواضع، لكنّه أفضل من انتظار المساعدات".
لكن حتى هذه التجارب الناجحة نسبيًا تحمل مذاقًا مُرًّا لواقعٍ صعب، فكل شيكل يكسبه هذا الشاب يذهب لشحن أجهزته عبر بدائل الكهرباء الباهظة، يُردف ساخرًا: "في النهاية، نحن نستخدم التكنولوجيا لمحاربة واقع لا توجد فيه تكنولوجيا أساسًا".
وتُظهر الأرقام الإحصائية الصادرة عن التقارير المحلية أنّ أقل من 15% من سكان غزة لديهم اتصال مستدام بالإنترنت، بينما يعتمد 90% على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة.
وعلى الرغم من كل هذه التحدّيات المتفاقمة، لا يزال الشباب يحاولون. تقول لينا مفيد (25 عامًا)، التي تستخدم ChatGPT لتعلّم البرمجة عبر Udemy و Coursera :"في كل مرة أنجز فيها مشروعًا صغيرًا، أشعر أنني انتصرت على الحرب قليلاً، حتى لو كان هذا الانتصار مجرد 10 دولارات في محفظتي الإلكترونية".
المختص الاقتصادي محمد أبو جياب، يُعقب: "ما يفعله شباب غزة من استخدام التكنولوجيا مثير للإعجاب، لكنّه ليس حلًا طويل الأمد".
ويُشير إلى أنّ هذا النوع من الأنشطة يحتاج إلى بيئة تتوفر فيها بُنية تحتية جيدة، واستقرار، واقتصاد يعمل. أما غزة فتفتقر إلى هذه الأساسيات بفعل استمرار الحرب وطول أمدها.
وعلى الرغم من أنّ هذه التطبيقات التكنولوجية تساعد في تخفيف جزء من الأعباء اليومية وتُتيح فرصًا للعمل عن بُعد، فإنّها تظلّ محكومة بمحدودية الإمكانيات. فحتى إذا تمكن الشباب من إيجاد فرص عبر الإنترنت، فإنهم يواجهون تحدّيات كبيرة في ظلّ انقطاع الكهرباء المتكرر، وضعف شبكة الإنترنت، وارتفاع تكلفة تشغيل الأجهزة.
لكن رغم هذه الظروف، يقول أبو جياب: "يجب ألا يفقد الشباب الأمل، فالتكنولوجيا توفر لهم فرصًا لتطوير مهاراتهم والتعلم من تجارب الآخرين حول العالم". ويمكنهم الاستفادة من هذه الفرص لبناء خبرات جديدة، وتوسيع آفاقهم، مما يفتح أمامهم آفاقًا أفضل في المستقبل، سواء في مجالات العمل الحر أو المشاريع الخاصة.
ويردف المختص الاقتصادي: "إذا استمر الشباب في تطوير أنفسهم، قد يحققون تقدمًا ملحوظًا، ويكونون قادرين على استغلال هذه المهارات لتحقيق النجاح حتى في أصعب الظروف".
وينصح الخبراء باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) التي يُمكِن أن تكون أداة قوية في خلق فرص عمل وتحسين المهارات، خصوصًا في ظل الأزمات. إليك كيف يمكن استخدام هذه التطبيقات لتحقيق ذلك:
تعلم مهارات جديدة بسرعة
دورات تعليمية موجهة: تطبيقات مثل Coursera وUdemy توصي بدورات بناءً على اهتماماتك.
تعليم مخصص: Duolingo يستخدم الذكاء الاصطناعي لتخصيص تمارين تعلم اللغة.
تحسين سيرتك الذاتية ورسائل التقديم
تحسين السيرة الذاتية: تطبيقات مثل Resumake وZety تقدم اقتراحات لتحسين سيرتك.
كتابة رسائل التقديم: ChatGPT يساعد في كتابة رسائل مخصصة.
البحث عن فرص عمل مرنة
منصات عمل ذكية: LinkedIn وUpwork توصي بوظائف بناءً على ملفك الشخصي.
مساعدين افتراضيين: تطبيقات مثل JobPal تساعد في البحث عن وظائف وتنظيم المقابلات.
تحليل البيانات لتحديد الفرص الاقتصادية
تحليل سوق العمل: أدوات مثل Google Trends تكتشف الاتجاهات الجديدة.
مراقبة فرص العمل: Glassdoor وIndeed تقدم توصيات لتحسين فرص العمل.
تسريع الإجراءات الإدارية
تحسين الإنتاجية: Trello وAsana تساعد في إدارة المشاريع وتنظيم الأعمال.
مساعدين شخصيين: Google Assistant وCortana تساعد في تنظيم المهام اليومية.
تحليل المهارات السوقية وتحسينها
استطلاعات الأداء: تطبيقات مثل Skillsyncer تقيم مهاراتك وتوجهك لتحسينها.
التعلم التكيفي: أدوات مثل Khan Academy تقدم توجيهًا بناءً على تقدمك.
إدارة الأعمال الصغيرة
تحليل الأعمال التجارية: QuickBooks وXero تستخدم الذكاء الاصطناعي لإدارة الحسابات.
إعلانات مستهدفة: Google Ads وFacebook Ads تحسين الإعلانات للوصول إلى العملاء.
الدعم النفسي والتأقلم مع الأزمات
التدريب العقلي: Calm وHeadspace تقدم تجارب تأمل مخصصة.
التوجيه المهني والنفسي: Woebot يقدم استشارات نفسية لتقليل التوتر.
العمل الحر والفرص الريادية
منصات العمل الحر: Fiverr وUpwork توظف الذكاء الاصطناعي لمطابقة المهارات مع الفرص.
تحليل الأسواق الرقمية: الذكاء الاصطناعي يساعد في اكتشاف الفرص في التجارة الإلكترونية.
الاستشارات وتقديم الخدمات
روبوتات المحادثة: ChatGPT وDialogflow توفر استشارات عبر الإنترنت.
على الرغم من التحدّيات الكبيرة التي يواجهها الشباب في غزة، تظل فرص استخدام الذكاء الاصطناعي أداة مهمة لبناء مهارات جديدة وخلق فرص عمل حتى في أصعب الظروف.
موضوعات ذات صلّة:
ورود الدهشان: من رماد الحرب إلى العالمية
استثمار الفرص: مشاريع سهلة وعائدات مربحة
محدودية الموارد: تستنزف طاقة وعائدات العاملين عن بعد
ثلاثية الأزمات تهدد العمل عن بُعد في غزة جرّاء تواصل الحرب
غزة: خدمة الانترنت تواجه الاحتكار والاستغلال
العمل عن بعد غزة