تنظيم الأسرة: فرصة لتعليم ولصحة أفضل للأطفال

تنظيم الأسرة: فرصة لتعليم ولصحة أفضل للأطفال

يعيش الإنسان في عالم متغير ومتسارع، ومن أبرز هذه المتغيرات هو العنصر البشري نفسه. ففي قطاع غزة على وجه الخصوص، الذي يمتد على مساحة 360 كيلومترًا مربعًا، يعيش نحو 2.23 مليون نسمة، وهذا يشير إلى الضغط السكاني الكبير الذي يمكن أن يؤدي إلى انفجار سكاني إذا لم يتم التصدي له.

يقول استشاري أمراض النساء والتوليد بمستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، حامد النجار، إنّ عدد المواليد بلغ في النصف الأول من عام 2023، نحو 26,000 مولود، أيّ ما يعادل حوالي 6 مواليد في الساعة أو مولود واحد كل 10 دقائق. في المقابل، يحدث وفاة كل ساعتين؛ مما يشير إلى ارتفاع كبير في معدل المواليد.

وتعد الأسرة مكونًا أساسيًا من مكونات المجتمع، فإذا أردنا تحسينه علينا أن نبدأ بتنظيم سلوكيات الأسرة نفسها، وذلك للدور المهم الذي يلعبه التوازن النفسي والاقتصادي والاجتماعي في بناء أسرة قوية تستطيع مواجهة كافة التحدّيات.

بدوره، يؤكد النجار أن عملية تنظيم النسل هي واحدة أهم سلوكيات الأسر التي تحتاج إلى التعديل في مجتمعنا الفلسطيني. ويُقصد بهذا المفهوم في الشريعة الإسلامية، أنّه السعي بطريقة مشروعة لإيجاد فترات متباعدة ومتراوحة بين كل حمل والآخر. 

ووفقًا لآراء كتّاب إسلاميين بارزين مثل الإمام أبو حامد الغزالي وابن القيم، يجب ألا تقل هذه الفترات عن 3 سنوات ولا تزيد عن 5 سنوات، أو أن تكون سنتين على الأقل ولا تزيد عن 5 سنوات، وذلك بهدف الحفاظ على صحة المرأة والطفل، وضمان استقرار الأسرة. كما يجب أن يتم هذا التنظيم بموافقة الزوجين ولا يجوز إجبار أحدهما على ذلك.

هناك ثلاثة شروط لتنظيم الأسرة، يضعها الإمام الغزالي، الأولى هي وجود مشكلة صحية تمنع أحد الزوجين من الإنجاب، مثل امرأة تعاني من مشاكل صحية تؤدي إلى ولادة طفل غير سليم. 

أما الشرط الثاني هو أن يُشكِّل الحمل خطرًا على صحة الأم، وفي هذه الحالة يقول النجار، يجب عليها مراجعة طبيب أخصائي لتقييم الوضع، لاسيما إذا كان لديها مشاكل صحية مثل أمراض القلب أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري، إذ يمكن أن يتفاقم هذا الوضع مع الحمل ويشكل خطرًا على صحة الأم. 

فيما يتعلق الشرط الثالث بالقدرة الاقتصادية للأسرة، فإذا كان هناك ضعف اقتصادي يحدّ من القدرة على توفير الرعاية اللازمة للأطفال، قد يكون من الصعب على الآباء تحمل أعباء الإنجاب المتكررة، مما يؤثر على الأسرة وعلى المجتمع أيضًا.

ويشير النجار إلى أنّ المجتمع يواجه عدّة تحديات في ضوء الإنجاب غير المنظم، حيث يمكن أن تواجه ضغوطًا اجتماعية واقتصادية جرّاء زيادة السكان بشكلٍ غير مستدام. ولذلك، من الضروري اتخاذ إجراءات لتشجيع تنظيم الأسرة وتوعية الأفراد بأهميته.

إلى جانب ذلك، هناك العديد من الأضرار التي تنجم عن الإنجاب المتكرر، منها زيادة مخاطر الحمل والولادة، فقد تزيد احتمالية ولادة الأطفال قبل الأوان وتسبب نقصًا في الوزن عند الولادة. كما يمكن أن يؤدي الحمل المتكرر بفترات قصيرة بين الحمل والحمل الآخر إلى تعرض الأطفال لمشاكل صحية في الرئتين والدماغ. إذ تشير الدراسات الحديثة إلى أن الحمل المتتابع في فترات قصيرة قد يزيد من خطر التشوهات الخلقية للطفل.

ويعتبر توفير الاستعداد المناسب لاستقبال طفل جديد، بما في ذلك الاستعداد المادي والعاطفي، جزءًا أساسيًا من هذا العملية. إذا لم يتم تنظيم الأسرة بشكل مناسب، قد ينتج عن تكرار الحمل بشكل متسارع أعباء كبيرة على الأسرة.

لذلك، ينصح استشاري النساء والولادة بضرورة أن نُولي اهتمامًا خاصًا لتوعية المجتمع بأهمية تنظيم الأسرة والتوجه نحو التخطيط العائلي. وذلك من خلال القيام بحملات توعوية تستهدف الأزواج والأسر، تشرح لهم الفوائد الصحية والاجتماعية لتنظيم الأسرة، وتقدم لهم المعلومات والدعم اللازمين. كما ينبغي أن تعمل الدولة على توفير خدمات الرعاية الصحية وتوفير وسائل منع الحمل الفعالة والمناسبة للأزواج.

وبحسب النجار، يساعد تنظيم النسل الأزواج على إنجاب أطفال سليمين وصحيين، ويساهم في تحسين الوضع النفسي والاجتماعي للعائلة. ويعمل على الحدّ من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تنشأ نتيجة زيادة السكان بوتيرة متسارعة. 

أيضًا من الجوانب الإيجابية لتنظيم الأسرة أيضًا هو تحسين رعاية الأطفال وتوفير فرص التعليم والصحة الأفضل لهم. فعندما يتم تنظيم الأسرة بشكل صحيح، يمكن للآباء والأمهات أن يعيشوا حياة أفضل ويقدموا الرعاية والتعليم الملائمين لأبنائهم، وبفضل تنظيم النسل وتوزيع المسؤوليات الأسرية بشكل سليم، يُمكن للأسرة أن تعيش حياة مستقرة ومزدهرة.

ختامًا، في الوقت الذي يصعب علينا إغفال حقيقة أن تنظيم الأسرة في مجتمعنا يعتمد على القيم والمعتقدات الثقافية والدينية للفرد والمجتمع، ويرضخ لموروثات اجتماعية عديدة، فهو ليس مجرد قضية صحية فحسب، بل هو أيضًا قضية اجتماعية واقتصادية وثقافية. علينا أن نساهم في تعزيز الوعي بأهمية تنظيم الأسرة وتوفير الدعم اللازم للأفراد والأسر يسهم في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وازدهارًا.