احتجاز الشهادات الجامعية.. حق من حقوق المواطن معطل 

احتجاز الشهادات الجامعية.. حق من حقوق المواطن معطل 

بدت ملامح الدهشة واضحة على وجه الشابة "حياة" وهي جالسة متمترسة خلف شاشة حاسوبها الشخصي أثناء تفقدها الرسوم الجامعية المتبقية عليها لتحرير شهادتها عبر النظام الإلكتروني، بعدما اكتشفت مضاعفة الرسوم بعد تخرجها بثلاث سنوات، مستذكرة كيف استدانت فور تخرجها مبلغ مالي وسافرت خارج قطاع غزة بحثًا عن عمل، وكيف قضت أيامها في الغربة محاولة استجماع نفسها لانتزاع شهادتها رغم الظروف الاقتصادية التي واجهتها.

ترى الخريجة حياة أبو عيادة التي تخرجت من جامعة الأزهر وتقيم حاليا في تركيا لـ آخر قصة، أن الجامعات تمارس الابتزاز ضد الخريج، مثلاً في غزة لم تقبل الجامعة تحرير شهادتها مقابل فرصة عمل، وفي الخارج، رفضت الشركات التعامل معها كخريجة، واستقبلتها كمتدربة مقابل راتب أدنى من أقرانها، الأمر الذي اضطرها للقبول على أمل تسديد ما تبقى عليها من دخلها البسيط.

واستكمالاً لجُملة الأضرار التي وقعت عليها، توضح أن تلك الوثيقة هي الدليل الوحيد على جهد أربع سنوات دفعت هي وعائلتها خلالها الغالي والنفيس، ودونها لا يُعترف بها كخريجة، لذلك لا تستطيع التقدم للوظائف في الدوائر الحكومية المحلية، كما لا يمكنها استغلال منح برامج الماجستير في الخارج، خاصة أن إفادة الخريج يصعب الحصول عليها وغير معترف بها.

وتقدر غرامة التأخير في الدفع عن كل فصل دراسي في جامعة الأزهر 50 دينار أردني، حيث ارتفع المبلغ المتبقي على الخريجة أبو عيادة من 500 دينار إلى 800 دينار أردني، وسيستمر بالتضخم طالما لم تسدد المبلغ.

محمد المبحوح خريج من جامعة الأقصى منذ عام 2019، حاله ليس أفضل من سابقتِه، جميع المشكلات هي ذاتها تتكرر مع الخريجين سواء في العمل أو في التقدم لمنح الماجستير.

يقول المبحوح لـ آخر قصة "بسبب تردي الوضع الاقتصادي لم أتمكن من دفع باقي مستحقات الفصول الدراسية، ولأنّني لم أستلم الشهادة، تمت معاملتي كمتدرب ولم أتمكن من التقديم لوظيفة قد أستطيع من خلالها سداد الديون المستحقة للجامعة".

حجز الشهادات ليس مقتصرًا على طلبة جامعة واحدة، بل يشمل كافة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة. آية أبو طاقية خريجة من الجامعة الإسلامية، تصف حجز الشهادات بالابتزاز المادي والمعنوي والنفسي خاصة للطلبة المتفوقين، مثلاً مرت بظروف صعبة هي وعائلتها خلال فترة دراستها، وبسبب دخل عائلتها المحدود، الأمر الذي اضطرها للاستفادة من الإقراض الجامعي ومُراكمة مبلغ مالي على أمل تسديده بعد انتهاء دراستها.

تخرجت أبو طاقية بتفوق، لكنها لم تتمكن من تسديد شيء. وفي اعتقادها، أنه من الظلم التعامل مع الطلبة على حدٍ سواء، مطالبة أن يتم عمل تسهيلات لذوي الكفاءات والمعدلات المرتفعة، حتى يتمكنوا من إفادة مجتمعهم والمشاركة في عملية التنمية والتطوير.

تقول "يمكن أن يكون استخراج الشهادة مقابل الوظيفة حل أمثل لنتمكن من اختراق سوق العمل، ودفع ما تراكم على كاهلنا من مستحقات للجامعات".

من جانبه، يصف جميل سرحان قانوني ومدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان بغزة، قيام الجامعات بحجز الشهادات بالاعتداء على حق المواطن في الحصول على الوثائق الخاصة، سواء الهويات أو جوازات السفر أو حجز الشهادات الجامعية، الذي يعد انتهاك لحق التعليم.

وقال سرحان "لا يوجد نص قانوني يسمح للإنسان بالتنفس، وكذلك الأمر في قضية حجز الشهادات، الذي يمثل ابتزاز غير قانوني للشباب، ولا يعقل أن يدفع الطالب المبالغ المستحقة خلال 4 سنوات ثم تحجز شهادته لأنه لم يستوفي آخر فصل أو مبلغ مالي بسيط". 

ربما ما يجري، يُجبر بعض الخريجين القادرين على الاستدانة لاستخراج الشهادة، وهو ما يثقل كاهل أُسرهم في ظل وضع اقتصادي صعب. ويشير مدير الهيئة المستقلة، إلى أنه لا يوجد مبرر لحجز الشهادات من قبل إدارة الجامعات، مضيفًا "تحصيل الديون من الطلبة لها إجراءاتها القانونية الخاصة وعلى إدارة الجامعات التوقف عن تلك الممارسة التي تخالف أخلاق وقيم حق الإنسان في التعليم".

ووفقاً لـ أحمد بركة مدير دائرة المنح وشؤون الجامعات في قطاع التعليم العالي بـ وزارة التربية والتعليم، فهناك قرابة 27 ألف شهادة، موزعة على 23 مؤسسة تعليمية ما بين جامعة وكلية، محتجزة  حتى عام 2017، وتبلغ تكلفة استخراجها قرابة "10 مليون دولار"، فيما تضخم العدد عام 2020 ليصل إلى 30 ألف شهادة، وبالتالي زيادة المبلغ.

ويلتحق سنويَا في مؤسسات التعليم العالي، وفق ما قاله بركة لـ"آخر قصة"، ما بين 16- 18 ألف طالب جديد يقابلهم ذات العدد من الخريجين المحتجزة شهاداتهم، ويبلغ عدد الطلبة على مقاعد الدراسة 110 آلاف طالب، مرجع ذلك التضخم إلى رغبة الشعب الفلسطيني في التعليم، على الرغم أن 70% من الخريجين لا يستطيعون تسديد الرسوم الجامعية، مما يترتب عليه تضخم أعداد البطالة بسوق العمل وتكدس الشهادات المحتجزة.

وعن دور الوزارة في القروض الجامعية، أوضح بركة أن الطالب عندما يحصل على قرض جامعي، يصبح هو والجامعة طرفان، ولا دخل للوزارة بينها، خاصة وأن الجامعات تتولى الإنفاق على مصاريفها التشغيلية من خلال الرسوم المدفوعة.

ويشير بركة إلى أن وزارته تقدم دعمها للطلاب من خلال جملة منح للخريجين، منها المنحة القطرية لتحرير الشهادات، واستفاد منها 6 آلاف طالب، ومنحة التكافل الاجتماعي التي يستفيد منها 31 ألف طالب. ويقول "أي خريج شهادته محتجزة، ويتقدم بطلب لدى وزارة العمل، يتم تحرير شهادته بعد استقطاع جزء من الراتب شهريًا، وتسري الاتفاقية على الخريجين العاملين في القطاعين العام والخاص".

بدوره قال محمد حمدان مدير الشؤون الثقافية والعلاقات العامة بجامعة الأقصى أن احتجاز الشهادات الجامعية للطالب لا يعني تراكم مبلغ ضخم عليه، بل مجمل المبالغ بسيطة لكن الظروف الاقتصادية للطلبة وذويهم تمنعهم من الدفع، لافتًا إلى أن الجامعة لا تحرم أي طالب من استكمال دراسته بل تساعده من خلال مجموعة من القروض المقدمة مثل الإعفاء الأخوي وأبناء العاملين وأوائل الطلبة.

وتعتمد جامعة الأقصى على باحث اجتماعي يقيّم الوضع الاجتماعي لطلبتها، حيث يستحوذ الطلبة الأشد احتياجاً على النسبة الأعلى من التراكمات المالية الفصلية خلال المرحلة التعليمية، بحسب ما أوضح حمدان. 

وأشار إلى أن عدد طلبة جامعة الأقصى المستفيدين من مشاريع تحرير الشهادات بلغ 27 ألف طالب، إلى جانب شراكة الجامعة مع وزارة العمل لتحرير شهادات الخريجين مقابل جزء من راتب الوظيفة.

وحاولت معدة التقرير التواصل مع الجامعة الإسلامية وجامعة الأزهر للتعليق على الموضوع، إلا أن الجامعة الإسلامية وبعد عدة أيام، علقت الإدارة أن "الموضوع شائك ولا نود الحديث في الأمر"، أما جامعة الأزهر وبعد زيارات يومية لمدة أسبوع متواصل، أوضحت إدارة أنها تواجه مشاكل حالية داخل الجامعة بين الطلبة، ولا يمكن لها الحديث بمثل هذا الموضوع. 

وبذلك، يبقى هذا الملف معلقاً دون وجود حلول جذرية تكفل للطلبة التخلص من قبضة احتجاز الشهادة الجامعية، و ببقاء هذه الممارسة قائمة فإن حق من الحقوق يظل معطلاً.