شيرين خلف الشاشة.. معايشة مع صديقتها وابنة شقيقها  

 بعد أسبوع على رحيلها

شيرين خلف الشاشة.. معايشة مع صديقتها وابنة شقيقها  

لم تزل لارين أبو عاقلة- ابنة شقيق شيرين-تخفق في استجماع قواها، "الفقد صعب جداً، ويستحيل تجاوزه خلال أيام فما بالك بشيرين التي لم تكن عمتي وصديقتي فحسب، بل كانت صديقة كل بيت فلسطيني!"، تستعجب وتصمت.

شعور الخوف يمتلك الفتاة لارين التي ترتدي الأسود منذ أسبوع حداداً على عمتها الصحفية شيرين أبو عاقلة، التي ارتقت ضحية بعد إصابتها برصاصة في الرأس من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي صباح الـ 11 من مايو الحالي، أثناء تغطيتها برفقة طاقم قناة الجزيرة لاقتحام مخيم جنين شمال الضفة الغربية، رغم ارتدائها السترة الواقية والخوذة. 

قدمت مراسلة آخر قصة واجب العزاء، للشابة لارين باستشهاد عمتها، محاولة الحديث معها أكثر حول عمق العلاقة بينهما، لتصف دور عمتها في حياتها بجملة مختصرة "كانت كل اشي بالنسبة إلي". 

صوت لارين، يخفت قليلاً، نظن أنها قد تراجعت عن الحديث، ثم ما تلبث أن تأخذ نفساً عميقاً وتزيد في التعبير: "شيرين كانت الأخت والصديقة والقدوة والملجأ الذي فقدته منذ أيام فقط، لكني أشعر بأني فقدتها منذ زمن.. فقدت ضحكتها وحبها للحياة".

لارين في عقدها الثاني من العمر، لا تستطيع الهروب من قبضة الذكريات التي تجمعها مع عمتها الوحيدة، فالحديث معها في هذا الوقت الحساس، كان محاط بالكثير من الحذر. ليس سهلاً، أن تخاطب أحدا فقد عزيزاً لتوه، بلغة الماضي. فذلك محرض بغيض على البكاء وهذا ما كنا نخشاه، لكننا وقعنا في الفخ.  

حاولنا الهرب قليلاً من المشاعر، بالدخول في التفاصيل الشخصية لـ "لارين" بسؤالها عن دراستها، فأجابت: "بعد تخرجي من الثانوية العامة، درست إدارة الأعمال، لكني لاحقاً فضلت دراسة الإعلام بتشجيع من عمتي المرحومة شيرين".

تعاود بشكل لا إرادي إقحام شيرين في تفاصيلها: "كانت تجلس معي وتحدثني عن حبها واهتمامها لعملها الصحفي (..) مذ مازحتني وقالت صوتك يا عمتو بشبه صوتي، قررت تحويل تخصصي من الإدارة إلى دراسة الصحافة والإعلام.. شيرين كانت قدوتي".

تشير إلى أنها كانت تتطلع لاكتساب خبرة مختلفة من خلال عمتها، التي حرصت دائماً على متابعة تفاعلاتها مع الوسط المحيط وحركاتها، وأقوالها في الميدان، وكيف كانت تُعد موادها الصحفية، وتغطي الأحداث.

تجمع الفتاة شعرها عن عينيها وتقول: "لم تدخر شيرين جهداً في مساعدتي لتطوير ذاتي كي أصبح صحفية مميزة مثلها، لكنها بكل أسف رحلت قبل أن تراني خريجة". قالت لارين ذلك، وساد صمت عميق، ثم انتفضت وقالت بعدما فشلت في حبس دموعها، "أنا رايحة أزور شيرين"، وبهذا انتهى الحوار. 

في المقابل، استجمعت فاتن علوان- صحفية مقدسية وصديقة مقربة من شيرين أبو عاقلة- قواها وقالت بدون مقدمات: "أنا لا أحب شرب الشاي، لكن عندما كانت تعده شيرين خلال جلوسنا سوية، كُنت أشعر بمذاق مختلف له".

ولأن الأصدقاء أكثر ما يجمع شتاتهم جلسات الود والسمر، أشارت فاتن إلى أن الراحلة شيرين كانت تفضل بين وقت وآخر جمع صديقاتها في مكان واحد لتعويضهنّ عن انشغالها الدائم في العمل، وبخاصة مع تصاعد وتيرة الأحداث في الأراضي الفلسطينية.

أما عن تفاصيل يومها، فقالت كانت شيرين دائماً حريصة على الاستيقاظ مبكراً لمطالعة الأخبار والمستجدات، ومن ثم تستعد للذهاب إلى عملها في مكتبها بـ قناة الجزيرة، بالإضافة إلى تخصيص جزء من نهارها لممارسة الرياضة، وقراءة الكتب والروايات لاكتساب المزيد من المعارف عن عوالم جديدة. 

تروي صديقتها المقربة، لا أبالغ حين أقول  إني أرى شيرين في كل زهرة من أزهار البلاد، فلطالما أحبت الورد ومنحته حيزاً كبيراً من اهتمامها، كما أحبت الحيوانات الأليفة واعتنت بها.

تستذكر الإنسانية المتأصلة في نفس المرحومة شيرين، قائلةً: "في إحدى المرات صادفت شيرين في طريقها كلب كان يحتاج إلى إسعاف أولي، فغيرت خط سيرها، وهاتفت الطبيب البيطري، ولم تبرح مكانها إلا عندما تأكدت أن الكلب أصبح بخير وحصل على قسط من الطعام أيضاً". 

وارتبطت شيرين بفلسطين، بوصفها "أجمل البلاد"، حيث تشير صديقتها علوان، إلى أن أبو عاقلة ارتبطت بهذه الأرض ليس من خلال العمل فحسب، بل إيمانها بأن لا مكان أجمل وأقرب لقلبها من الوطن.  

وأوضحت علوان، أن شيرين عرضت عليها فرص عمل عدة، خارج الأراضي الفلسطينية لكنها رفضتها جميعها، وقالت: "كانت فكرة البعد عن الوطن مزعجة ومخيفة بالنسبة لها، ولم تكن تذكر أمام أحد أن لديها الجنسية الأمريكية". 

الغريب في أمر "شيرين" التي عُرف عنها بأنها دائمة الانشغال، أنها لم تدخر وقتاً عن أسرتها (شقيقها وأبناءه)، وعن ذلك تقول الصديقة الحزينة فاتن: "هم كانوا يعتبرونها (أي أبناء شقيقها) كل شي في حياتهم، فهي الصديقة والأخت والأم.. حتى في أحلك الأوقات كانت تشاركهم التفاصيل اليومية، ويصغون إلى نصائحها، كما أنها لم تتوان عن قضاء الأعياد مع الأسرة وتؤدي صلوات الأحد، وغيرها من المناسبات الدينية". 

تحشرج صوت فاتن وهي تروي أنّ لصديقتها طريقة خاصة في التفريغ عن نفسها، وبخاصة في الأوقات التي تعقب تغطية الأحداث العصيبة. "شيرين بنت الشاشة، و ملجأها الشاشة لذلك كانت تفضل متابعة الأعمال الكوميدية عبر التلفاز، ثم تضحك وتنساب دموعها، نحن حينها لم نكن نعلم إن كانت تلك دموع غصة، أم فرح!".