إلى متى ستبقى حقائب الهروب جاهزةً ؟

إلى متى ستبقى حقائب الهروب جاهزةً ؟
رسومات عز الدين حسين

أنا حلا أبو نحلة، طالبة طب في جامعة الأزهر، دعوني أحدثكم عمّا عايشته في ليلة التاسع من مايو 2023، إذ كنتُ كأيّ ليلةٍ أدرس تحضيراً لامتحاني صباح اليوم التالي، كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وعادةً كنتُ لا أنام قبل آذان الفجر ولكن في هذا اليوم أنهيت دراستي باكراً وكنت مرهقة من الدراسة وجولة الامتحانات المتتالية.

قررت أن أنام باكرًا وأريح جسدي في هذه الليلة، وبمجرد أن مددتُ جسدي في السرير سمعت صوت انفجارٍ، ظننت أنّها فقط انفجارات اعتيادية ولم أكترث؛ إلا أن قلبي لم يرتح لذلك، فقررت أن أفتح هاتفي للاطمئنان فقط.

وحينها وجدتُ كمّا ضخمًا من الرسائل من أصدقائي يخبرونني بأنّ عليّ الاطمئنان على صديقتي المُقربة والتي استهدف المبنى السكني الذي تقطن فيه.

في هذه اللحظة تسارعت نبضات قلبي بشكلٍ مرعب، بدأتُ بالتعرق ولم أفكر بشيءٍ سوى الاتصال على صديقتي، اتصلت بها، فأجابت وهي تصرخ وتبكي أنّه تم استهداف شقة سكنية فوقهم وأخرى بجانبهم وهنالك الكثير من الشهداء وأنّهم يحاولون الخروج من المبنى في هذه اللحظة، وقالت إنّ بينهم وبين الموت شعرة. 

ابتلت عروقي بهذه الكلمات على الرغم من الخوف الذي لا أستطيع تمالكه، استيقظت أمي تسألني إن كان كل شيء على ما يرام، أخبرتها باستهداف شقتين في المبنى الذي تقيم فيه صديقتي، فأصبحت تردد "لا حول ولا قوة إلا بالله" والسؤال عن صديقتي وعائلتها.

بدأنا بتحضير حقائب كل تصعيد، أهم المقتنيات فقط، بعض الأوراق المهمة والأشياء الثمينة، المؤلم في ذلك هو أنّك لا تدري إن كنت ستترك بيتك أو لا وإنّ تركته، أهذا ما ستأخذه فقط؟

الحياة في غزة استثنائية في كل ظروفها وأحوالها، ننام في غرفة واحدة كي نبقى بجانب بعضنا البعض في كل الحالات، نقوم بتفعيل قنوات الأخبار على هواتفنا ونتابع الأخبار بتأهب ونتناقش بكل الاحتمالات الواردة، نقوم بتقسيم أدوارنا في حال اضطررنا لمغادرة المنزل، من سيمسك أخي وأختي الصغيرين؟ ومن سيحمل الحقيبة هذه وتلك؟ وما إلى ذلك.

لا ندرِ إلى متى ستبقى غزة مصبّ أحزان العالم، إلى متى ستحارب بنفسها فقط، وتضحي بأبنائها فقط، إلى متى سيبقى أطفالها يحملوا هماً أكبر من أعمارهم، ونسائها أقوى من أقوى رجلٌ خارجها، ورجالها أعمدةُ بقائها، إلى متى سيبقى العالم مجرد جمهورٍ أو حتى ناس لا يعرفون أيّ شيءٍ عما نعيشه؟

إلى أين وإلى متى يا عالم!

بقلم : حلا أبو نحلة